محاولات ساذجة لتشويه سمعة التاريخ الحضاري للعراق
المدونة الاثارية
كانون الاول 2016

بقلم : سلام طه
تقديم
بحسب مقالة قديمة لكاتب من دار التآخي للنشر ويبدو لنا من اسمه انه من اقليم اللور في اطراف عراق العجم ونشرت على صفحات التاخي الالكترونية ( الرابط ) , فأن مسلة المشرع البابلي المعروف في التاريخ بالاسم حمورابي * ( والذي حكم العراق القديم من 1792 الى 1750 ق.م اي 42 سنة لا 8 سنوات كما ذهب كاتب المقالة ) هي محض تشريع قانوني يُحسب للعيلاميين و الكوتيين و عاصمتهم ( سوسة الايرانية \ قلعة الشوش \ شوشان ) ومدونة باللغة العيلامية وخطها المسماري القديم وليس باللغة البابلية القديمة والخط المسماري الاكدي ( وهذه سنفرد لها فقرة خاصة ), وهي من منجزات الحضارتين العيلامية والكوتية الاصيلة ولم يتم نهبها
رد
تؤكد المصادر الاثارية ان بلاد بابل وحواضرها قد تم غزوها في سنة 1168 ق.م من قبل حاكم سوسة العيلامي المدعو ( شتروك ناخونتي) ومن جملة المدن التي غزاها مدينة سُبّار ( تل ابو حبة في اليوسفية جنوب بغداد الحالية ) وقام بنهب الكثيرمن شواخصها الثقافية كمسلة المشرع حمورابي و معها مسلة النصر العائدة للعاهل الاكدي العظيم نرام- سين (حكم من 2255 الى 2219 ق.م ) ، والتي اشهر بها انتصاراته على اقوام الجبال المتوحشين ( اللولوبي ) من همج الجبال الشرقية لبلاد أكد وقد عُثر عليهما ابان تنقيبات البعثة الفرنسية بقيادة دي مورغن (1902 )
J , De Morgan
وفي كلا المسلتين ( النهب حينها شمل لقى اخرى كثيرة تتعدى المسلتين ) حاول الحاكم العيلامي محو اسطر و اقحام اخرى لاحقا و قد تلكأ في وضع اسمه على مسلة حمورابي خشية من لعنة قد تصيب مدونه . ولكنه وضع نصا يذكر فيه موضوع سطوه على مسلة نرام سين ( الصورتين اعلاه ) وامر بكتابة نص بهذا الشأن .و الاضافة اللاحقة على على النص معترف بها من قبل اهل العلم الاثاري
وبحسب الاثاريين المختصين بالتاريخ العراقي القديم فأن العاهل حمورابي لا بد و انه قد قام بوضع نسخة من مسلته في عاصمة دولته ا في بابل القديمة كما ورد في اسفل المسلة ( التي لم نصل اليها لحد الان بسبب المياه الجوفية ) كجزء من تقليد حكومي متبع ومتوارث في ارجاء العراق القديم، وقد وزع نسخا اخرى في ارجاء ارجائها والدليل وجود كسر من نسخ اخرى وجدت في شوشة لذات المسلة ( فيما يدعي الكاتب ان وجود كسر لنسخ اخرى في شوشة لا بابل يدلل على ان موطن التشريع والنشر هو في عيلام لا بابل ) , بينما العلم الاثاري يجيب على الامر بوجود نية مبطنة للعيلاميين في محو المنجز النهريني وتشتيته او تزويره وسحب رموز القانون والنظام من بلاد النهرين وتركها فريسة للفوضى والخراب ( كما في حالة مسلة نرام سين ونص الحاكم العيلامي المقحم بطلب منه ) والذي هو بالحقيقة حصيلة تراكم حضاري طويل, فقد حكم حمورابي بلدا ذو تراث عريق في مجال التشريع لقرون طويلة ، وله ممارسة غنية في القضاء وتطبيق القانون, فلدينا مثلاً شريعة الملك السومري ( اور نمو والذي يدعوه كاتب المقال زوراً بالكوتي ) و من بعدها لبت عشتار و اشنونا وشريعة المصلح اورو كاجينا ( أنظر : نائل حنون ، شريعة حمورابي ،ص 16-17، 2005 )
في الفقرة الثانية من المقال , يحاول الكاتب توصيف المسلة و يقول الكاتب ان الاله شمش الذي يظهر في اعلى المسلة مقدس من قبل الشعوب الارية آنذاك وهذه انما تدلل على ضعف معرفي بتواريخ الشعوب لان المهاجرين الاريين ( اصل قبيلة بارسي - الفرس ) ظهروا على سطح الاحداث في الالف الاول ق.م اي بزمن يلي زمن تدوين المسلة بما يربو على 750 سنة
وفيما يتعلق بامر التسمية لمدينة بابل فهو يدعوها بابلونيا و يعزو الاسم الى مدونات الاغريق وانهم هم من اطلق واشهر الاسم ,وهذا نابع عن جهل باصل الاسم لها وهو ( السومري كاندينكيرا و الاكدي باب ايل وكلاهما يعني بواية الاله ).
في فقرة اخرى يتناول المقال عمامة الملك حمورابي فيشبهها بقلنسوات ملوك الكوتيين, والمنطق يقول ان الاقوام الهمجية القاطنة على اطراف الحضارة حين تنحدر من الجبال نزولا الى حواضر المدن ومراكز التمدن فستتطبع بطباع اهلها لا العكس, ثم يدعي وبكل صلافة ان كل من اورنمو وغوديا بالاضافة الى حمورابي هم ملوك كوتيين, بينما اي طالب مرحلة اولى في التاريخ القديم يعلم جيدا تاريخ دولة حمورابي وان اصولهم من جذر اسمائهم فهم ( عموريون - آموريون ) وآمورو تعني باللغة الاكدية ( غربي ), اي انهم انحدروا من جهة الفرات الغربية باتجاه بابل شرقا فهم فراتيون اقحاح.
وفي معرض استعراضه للملوك السومريين، يحاول كاتب المقال جاهدا اثبات أن العاهل السومري ( كودايا " - الرابط ) هو من احفاد الكوتيين ( ويقصد الكاتب بذلك اجداد الايرانيين)، وان ما وصلت اليه سومر في عهده انما هو امتداد لمنجز عيلام القديمة.
ربما من الافضل لنا وضع النقاط على الحروف بما يخص الكوتيين, وهي اقوام جبلية انحدرت من جنوب سهل شهرزور الحالي حيث موطن اللولوبيين ( الوحوش ) ومناطق جنوب الزاب الاسفل وكل ما ذكر عنهم ورد في السجل المعروف ب ( ثبت الملوك السومريين ) ، ان 21 ملك كوتي قد حكم في فترات متقطعة من تاريخ العراق السياسي القديم ولم يحكموا البلاد بشكل عام وشامل و انهم قد انسحبوا او تقهقروا الى حدود كركوك الحالية و قد انصهروا في حضارة بلاد النهرين كما غيرهم من الاقوام الغازية ( الكيشيين مثالا ), والدليل ان اسماء ملوكهم والهتهم مختلفة عن اسماء الملوك السومريين والاكديين وانهم بعد مدة طويلة حاولوا اتخاذ اسماء تظهر عليها الصيغ الاكدية ( انظر طه باقر - مقدمة في تاريخ الحضارات ص 408 - 409 ).
و من جملة السلالات السومرية التي عاصرت الفترة الكوتية سلالة ( لكش ) و التي مركزها بالقرب من ( الغراف - شط الحي الحالي ) في منتصف المسافة بين نهري دجلة والفرات , وهي سلالة وطنية محلية حكمت منذ عصر العاهل الاكدي نرام سين و تعاقب عليها ما مجموعه 23 ملك مستقل اولهم شمكال واخرهم نمخيني الذي عاصر دولة اور الثالثة وخضع لملكها الشهير اور نمو مرورا بملكين شهيرين ذوو منجز اولهم ( اور بابا ) صاحب العمران و فنون النحت و الاخر هو الاشهر و المعروف ب ( غودايا وهذا الملك سومري نسبا واسما وهو من جهز حملة كبيرة على اقليم عيلام ( حملة انشان ) حينها وقام ببناء معابد لالهة لا تُعبد الا في سومر ولا ذكر لها في اقليم الكوتيين وله في الادب من اروع ما تم تدوينه والذي يمثل ذروة الشعر السومري والذي دون به مآثر التراث السومري الذي اشتهر قبلها ابان عصر فجر السلالات السومرية ( لا العيلامية او الكوتية )
لغة نص شريعة حمورابي
ساستعين بمصدر مهم للمختص الملم بعلم اللغات العراقية القديمة الاستاذ د. نائل حنون ومؤلفه ( شريعة حمورابي - رابط التنزيل )حيث تناول فيه كافة الجوانب اللغوية والشروحات التاريخية المتعلقة بها, وابراز نقطة خطيرة ربما غابت عن تفكير المهتمين الا وهي ان الترجمة المباشرة للنص الاكدي-البابلي الى العربية سيفضي بالكثير من اسرار اللغة الام ( الاكدية ) وارتباطها الوثيق بحفيدتها ( العربية ) كون الشريعة نص قانوني قد دون بلغة رسمية ,فهذه الشريعة تمثل ارثا وطنيا وقوميا وهي جزء مما قدمته امتنا العراقية للحضارة الانسانية على صعيد الفكر والقانون وبناء الدولة وتنظيم العلاقات الاجتماعية واحترام حقوق الانسان, في وقت لم تزل تلتمس امم الارض الاخرى طريقها في ظلام البدائية
ان الخط المستخدم في نسخة الشريعة هذه هو المسماري القياسي ويعتبر ذروة تطور المسمارية كما هو الحرف الطباعي المستخدم حاليا, وموضوع كون النص مكتوبا بطريقة عمودية ( لا الافقية المتعارف عليها من اليمين الى اليسار ) وانما من الاعلى للاسفل لتناسب التصميم الاسطواني العمودي للمسلة( يشبه الاصبع ), كنوع من ارتداد الى الطريقة الصورية الاولى للكتابة ( الاركائية ) التي اخترعها العراقيون القدماء في أوروك بحدود 3400 ق.م وكأن المسلة مطروحة افقيا لتظهر العلامات المسمارية بوضعها المقروء الصحيح.
نص سومري من التراث الوطني لأهل العراق القديم
أنهي ردي هذا بنص مشهور يتناول حادثة هدفه تبيان الحقائق لا اكثر، الا وهي الثورة الشعبية التي قادها الحاكم السومري اوتو حيكال في اواخر العهد الكوتي والتي انطلقت شرارتها من معقل حكمه في اوروك لتمتد الى بقية ارجاء القطر السومري ليتم طرد الكوتيين منها وقد نقش النص الاصلي على الحجر ، و يرد فيه
" ان اوتو حيكال قد سحق الكوتين ، ثعابين الجبال القارصة واعداء الالهة الذين نقلوا ملوكية بلاد سومر الى الجبال وملؤوا البلاد بالشر ولما ان قرر الاله انليل ان يمحوهم ، اختار اوتو حيكال ملك اوروك لتنفيذ ارادته فصلى في معبد الهته انانا التي اختارته بدورها لتلك المهمة , وقد جمع محاربي اوروك من حوله وسار على رأسهم وفي موضع معبد ( ايشور ) فخطب بالجموع وهتفوا له ،وفي اليوم السادس من المسير، وفي المكان المسمى معبد ايلي - تبا ، جاءه ضابطان من ملك الكوتيين لعرض الخضوع والتسليم ولكنه ابى ذلك ، وفي ذات اليوم التقى جيشه بجيش ملك الكوتيين " تريقان " فهزمه وهرب هذا الملك الى احدى المدن ، ولكن اهلها قبضوا عليه وسلموه الى اوتو حيكال فوضع قدميه على رقبته واعاد بذلك ملوكية " سومر " الى اهلها.
للنص الاصلي انظر
صموئيل نوح كريمر ، السومريون ، ترجمة فيصل الوائلي ص 325 , منشورات جامعة الكويت
Gadd, Sumerian reading Book ( 1924)
لعنة حمورابي
العاهل حمورابي لم يفته ان يدون لعنة في مسلته على كل من يتجرأ على محو او تغيير بنود الشريعة او تأصيلها وقد ورد فيها و بالنص:
عسى الإلهَ سين ، ربُ السماء ِ ، خالقي الذي هلالُه واضحٌ بين الآلهةِ ، أن ْ يُجردَه من التاج وعرش ِالحكم ِ. عسى أنْ ينقلبَ نجاحَه الجيدَ الى نجاحٍ خبيت . عسى أنْ تُحطّم َ اسلحتَه في ميدانِ المعركةِ والحروب . عسى أنْ تُخلقَ الفوضى وتُثير عليه الثوراتُ...
في النهاية نود ان نشكر السيد كاتب المقال ودار التآخي للنشر على هذه المشاكسة التاريخية الظريفة
_________________________________________________________________________
( خمّو \ عمّو - رابي وتعني السيد العظيم \ رئيس العائلة \ حمو الرب او حبيبه ) بالاصل الاكدي القديم *
Comments powered by CComment