د. زهير صاحب

كأس الأمير السومري جودة - 2200 ق.م

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

دراسة تحليلية لاحدى روائع الفن العراقي السومري "كأس الامير جودة" - أمير لكش ( 2200 ق.م ) والمحفوظ في متحف اللوفر بباريس




يحتفظ متحف اللوفر في باريس، بنموذج فريد من نوعهِ من بين روائع الفن على أرض الرافدين. ألا وهو كأس الامير (جوده)، المنحوت من حجر الستيتايت الصلب، بارتفاع 23سم. فبعد ان أُحضرت كتلة الحجر ذات اللون الأسود المائل للأخضرار من خارج البلاد، بفعل القصد والوعي الجمالي المتعالي لأمير مدينة لكش، تم تجويفها من الداخل بتقنية إظهار متميزة، وكذلك (شحذ) سطحها الخارجي الى حد من (النعومة) المطلوبة لنحت الأشكال الاسطورية البارزة على سطحها الخارجي.

إذ يدور حول جسم العمل الفني (الكأس) دورة كاملة، شكل (التنين) الذي مُثل بوضع الوقوف، ليتبادل الظهور مع شكل (الافعى) على وفق نظام تراتبي منتظم. فقد التف كل منهما بكامل تكوينهِ بوضع عمودي حول بدن الكأس، متكئاً على شكل رمزي اشبه بشكل العصا (الغليظة) المزينة من الأعلى بشكل نصف دائرة. وركّب شكل التنين من جسم يشبه جسم الكلب له ذيل طويل وراس افعى، واقدامه الامامية أقدام أسد بينما كانت اقدامه الخلفية اقدام طائر جارحِ، وهو الحيوان الأسطوري (الوصفي) لأله العالم السفلي (ننكزيدا) الذي يُعدّ الأله الشخصي للامير (جوده). وقد كثر ظهور هذا الحيوان الاسطوري على واجهة بوابة عشتار في مدينة بابل من العصر البابلي الحديث (القرن السادس ق.م). بوصفه الحيوان الذي يمتطيه الأله (مردوخ) حين يؤدي دوره في احداث قصة الخليقة البابلية.
أما شكل (الأفعى) فقد قفزَ من بيئتهِ في الأحراش السومرية، بأنتقائية عجيبة مشحونة بطاقة عالية من التأويل، ليجد له دوراً في ملحمة كلكامش. فقد شاهد الأديب السومري إنتشار جلود الأفاعي الرمادية اللون بين احراش الحلفاء في البساتين السومرية، فاستنتج ان الأفعى تغير جلدها باستمرار، ولذلك فهي لا تموت، ولذلك وظفّها لألتقاط نبات الخصب، بعد ان تركه (جلجامش) على حافة البركة التي إستحم في مياهها الباردة بعد سفر طويل ، وياليتهُ لم يفعل ذلك، فقد أضاع على نفسهِ فرصة الخلود، ويا لها من خسارة فادحة. فمنذ تلك (الحادثة) والافعى تمتلك دلالة الخصب والشفاء في الوجود، بدأً من كلكامش الى الامير (جوده)، وحتى شعار نقابة الصيادلة في الفكر المعاصر.
فنحات كأس الأمير (جوده)، لم يجد مسرّتهُ في الملاحظة العابرة للأشياء، بل كان سعيه ناشطاً لاستنتاج (مضامين) فكرية ذات مغزى أعمق، فحين ابدع منجزه بوصفه صيغة من صيغ الأستعطاف السحري، كان له ذلك: بمثابة الهروب من الحالة اليائسة في وجوده، لولوج (صيرورة) فكرية تعبّر عن حالة من التحقق. محولاً (كأسه) من منظومة صور إيقونية، الى دلالة رمزية تقوم على التأويل، وصولاً الى الاسلوب الرمزي في تحرير خطابه الذي يُخبّىء دلالات مرتبطة بالفكر الديني، ومنظومة المعتقدات والطقوس السحرية المتحركة في الفهم الاجتماعي. فالفن بالنسبة للأمير (جوده)، وكما هو ماثل في كأسهِ الأسطوري، الذي استخدمه لسكب السوائل المقدسة في طقوسه الدينية، لم يكن ترديداً بصرياً او لنقل نسخاً لموجودات العالم المحيط، بل هو (نتاج) روحي،إنه إبداع إضافةً الى الوجود.

Comments powered by CComment

Lock full review www.8betting.co.uk 888 Bookmaker