بعض مدن القوافل ومحطات الطريق في الشرق الادنى القديم في ضوء النصوص المسمارية والمصادر التاريخية
مقدمة:
تعود اغلب محطات الطرق في العصور الحديثة نسبيا او تلك المعروفة في العصور الوسطى الى عصور موغلة بالقدم, حيث كان لموقع بعض المواضع في بلاد الرافدين من الصدارة والأهمية بمكان أن اكتسبت صفة وخصوصية لما كانت تقدمه من خدمات وفعاليات وأنشطة اقتصادية عند اجتياز القوافل التجارية ونوخها للاستراحة والتزود بالمؤن والمنام والطعام فضلاً عن تزويدهم بمرشدي وكشّافي وأدلاّء الطرق في تلك النواحي حتى غدت فيما بعد تتوسع لتصبح في نهاية المطاف من مدن القوافل ومحطة رئيسية من محطات الطرق التجارية التي اشتهر الشرق الأدنى القديم بالعديد والشهير منها بوجه عام, وبلاد الرافدين منها على وجه الخصوص.
لتنزيل البحث كاملا ( هنا )
ولقد فاضت النصوص المسمارية بما احتوت من مضامين مثل مخططات نصوص وادب الرحلات (Itinerary) أو الكتابات والحوليات الملكية الآشورية أو الرسائل أو نصوص المعاهدات وترسيم الحدود أو قوائم وجداول الاثبات الجغرافية (Geographical Lists) أو خرائط المدن وكذلك الجرود والاحصائيات الاقتصادية وغيرها مما وصلنا من نصوص, جميع تلك الوثائق شكلت لنا صورة واضحة المعالم عن طبيعة ودور تلك المدن الحيوية في النشاط الاقتصادي في تلك الازمنة ولنا أن نعرف بالصيغ التي جاءتنا بها مسميات محطات الطرق والاستراحات في اللغات العراقية القديمة ومنها الصيغ السومرية والأكدية (البابلية – الآشورية) حيث عرفت القافلة باللغة السومرية بصيغة (كاسكال KASKAL.؛ كما تقرأ بهيئة خا. را. آن ḪA.RA.AN.) يرادفها بالأكدية صيغة (خَرّانو ḫarrānu), فيما عرفت محطة الطريق والاستراحة بالسومرية بصيغة (É.KASKAL.GID; É.DAN.NA) ويرادفها بالأكدية صيغة (بيت مَرْديتي bīt-mardīti) و(بيت – بيري bīt-beri), كما جاءت مفردات مثل (نيميدو nemedu): مكان استراحة, منتجع؛ و(شَ-صيري šá-ṣeri) مدينة قافلية, مدينة صحراوية و(كاليئو kalliu): محطة بريدية و(مناختو manāḫtu): مكان للإقامة, محل الراحة في العربية (ناخ) إذا نزل واسترح؛ و(بيت سابيتي bīt-sabīti): الحانة, الخان, النزل.
ونظراً للأهمية التي شغلتها الطرق العامة في بلاد الرافدين سواء أكان ذلك في تأمين متطلبات الممالك والدول التي حكمتها من السلع والحاجيات المختلفة من مصادرها الداخلية أو الخارجية ام في ضمان ايصال الأوامر والتعليمات الملكية إلى حكام المدن والمقاطعات بالوقت الممكن فقد دفع بالملوك إلى حماية وتأمين تلك الطرق بمحطات استراحة وبثكنات عسكرية أو حراس اطلق عليها (بيت مَرْديتي bīt-mardīti) تبعد احداها عن الأخرى مسيرة يوم واحد أي ما يعادل مسافة 30 كم بين محطة وأخرى.
وكانت المدن والقرى الواقعة على الطريق تهيئ للقافلة التجارية مستلزماتها من المواد الغذائية والمؤن كما كانت هناك محطة وسط الطريق يتوافر فيها عدد من الاجراء الذين يرافقون القافلة, وكان على القافلة ان تدفع الضرائب (عشور التجارة) إلى جباة البلدان التي تمر بها, وربما كان هناك طرق فرعية يسلكها بعض المهربين من التجار الذين يتحاشون المرور من مراصد ومرافق المكوس إذ ورد ذكر (طريق المهربين).
والرحلات التي تبدو في منظور خاص أكثر النصوص الجغرافية إلفاتاً للعناية والمتعة من كل النصوص الأخرى, ويقيناً فإنها أكثر إنباءً بالمعلومات وبما تنتجه من الاستدلال الضمني على الأقل, إذ تسجل المحطات المتعاقبة عبر مسار الرحلة, والمحطات أو المنازل قد تكون مدرجة كلها بإسهاب أو لا تكون كذلك وقد تكون مساوية احداهما للأخرى في المسافة أو في الزمن الذي يستغرقه المسافرون بين الواحدة والأخرى واللافت للنظر ان اغلب تلك المدن تقع على مفترقات الطرق وحملت اسمائها من طبيعة موقعها ودخل في تركيب اسمها دلالة ذات علاقة بما تقدمه من خدمات للقوافل التجارية.
ولم تقدم لنا المصادر الاولية وصفا دقيقا لهذه الخانات أو نوعية ومقدار الخدمات التي تؤديها للمسافرين في المدة التي هي قيد البحث, ومن دون شك نفترض وجود منازل مكونة من طابقين علوي وسفلي واسطبل إلى جانبه وفيه حوض لخزن المياه ومشرب للبهائم, ويحتمل وجود فرن وحَمّام من بين مرافقه([1])
Comments powered by CComment