المقال ادناه مستل من كتاب " التاريخ من باطن الارض "
بقلم : د. بهنام ابو الصوف
ارتقت المرأة في الحضارة العراقية مكانا متميزا، منذ ومضات الوعي الاولى، ارتبطت بالارض فهي الام وهي المانحة للحياة وهي الملكة الراعية وهي الربة الحامية ولذلك اعطاها المجتمع حقها ومكانتها بتميز وتقدير، لم تألفه الحضارات المجاورة.

بالرغم من أن السيادة في مجتمعات ما قبل التاريخ، ومنها العراق، كانت للرجل بسبب قوته الجسدية ومصارعته الطبيعة
القاسية وحيواناتها الضخمة المفترضة للحصول على الطعام له ولصغاره ولأزواجه، إلا أن للمرأة أيضاً في تلك الأزمان السحيقة في القدم دورها ومكانتها. فقد كانت هي التي تُعني بالصغار وبحمايتهم وتنشئتهم، كما كانت في أوقات كثيرة تساهم مع الرجل في الصيد ومقاتلة الأعداء، كما كان يقع عليها عبءُ تهيئة الطعام ونظافة الكهف والعمل يداً بيد مع الرجل في تشظية وتحضير الآلات والأدوات من الحجارة والعظام وأخشاب الأشجار، وتشير الأدلة المكتشفة في كهف شانيدار أن سكنه ذلك الكهف من إنسان نياندرتال العراقي قد اهتموا بموتاهم واعتنوا بدفنهم بأسلوب احتفالي أحيانا، وقد وضعوا زهوراً برية تنمو في المنطقة عند رؤوس بعض أولئك الموتى وذلك قبل أكثر من أربعين ألف سنة، إننا نميل إلى الاعتقاد بان المرأة العراقية في كهف شانيدار كانت وراء هذا العمل الجمالي والإنساني معاً في ذلك الزمن السحيق في القدم. ( الى اليسار من الخلف تيراكوتا تل الصوان من الخلف للالهة الام بقلادة بحدود 6000 ق.م و الى الامام منها تيراكوتا الام مع الطفل تل العبيد بحدود 4500 ق.م .
ومرت بضعة ألوف من السنين على حياة الكهوف والصيد والبحث عن الطعام اعتدل فيها المناخ وقلت الأمطار وانخفضت المياه في الجداول ونساؤه يبحث عن الدفء والطعام فقادته قدماء إلى مروج خضراء فوق هضاب وفي سهول ووديان تجري فيها المياه المياه والشلالات. فاستقر فيها مع من معه. وذهب الرجال كعادتهم وراء الفريسة والصيد، بينما سكنت النساء مع صغارها في تلك المروج وفوق الهضاب الخضر يرقبن حركة الطبيعة ونماء النبات تلقائياً، وفيه حبّات تصلح غذاءً طيباً إذا ما أبتلت الماء بعد تساقطها فيه فتجمعها الصغار ويلتهمونها بمرح، بينما تلتقطها النساء لتحليها إلى عجينة طرية تحولها نار الموقد إذا ما أسقطت فيها إلى وجبة طعام لذيذة. وتبقى بعض حبات هنا وهناك في التربة المبتلة بمياه المطر القادم بعد حين لتبرز من الأرض نباتاً أخضر سرعان ما تعلو سيقانه سنابل تصطف في كل منها حبيبات منتظمة تتساقط مرة أخرى على الأرض بعد جفافها فتحيلها النساء مرة أخرى إلى عجينة تشويها في النار وتقدمها لصغارها وجبة شهية. وبتكرار الحدث هذا وبمواسم منتظمة أمام مرأى المرأة في أماكن سكناها في العراء تنبهت إلى مغزاة فأخذت هي تأخذ الحبوب الناضجة وتدفنها في التربة الرطبة ليأتي عليها زمن المطر فتنمو إلى سنابل تعطي حبيباتها طعاماً ولصغارها . وهكذا حصلت المرأة في العراق القديم على حقلها الأول وكان السبب وراء نماه نوعين من الحبوب الصالحة كطعام، وهي الحنطة الشعير التي تنمو برياً في سهول وهضاب تعلو ألف متر فوق سطح البحر في الأطراف الشمالية والشرقية من بلاد الرافدين.
ويذهب بعض دارسي نشوء الحضارة إلى أن المرأة قد أستأنست الحيوان قبل تعرفها إلى الزراعة بنحو ألفي سنة. وقد حدث ذلك حين شاهدت المرأة نوعاً من الخراف والماعز تعيش برياً في أماكن سكناها التي يزيد ارتفاعها أيضاً عن ألف متر فوق سطح البحر، وقد الفتها تلك الحيوانات كما ألفت اطفالها صغار تلك الحيوانات فأخذت الصغار لتُربى جوار منازلها، وهكذا تحقق لإنسان بلاد الرافدين دخول مرحلة اقتصادية هامة في حياته التي باتت بفضلها حياته أكثر استقراراً وامناً، وهي مرحلة انتاج قوته بنفسه. ويرى الكثيرون أن تحقق ذلك كان على يدي المرأة بسبب يقظتها وانتباهها لما كان يجري حولها في الطبيعة ولأهتمامها بسد حاجات اطفالها إلى مصدر دائم وثابت للغذاء.
إن معرفة الإنسان بالزراعة واستئناس الحيوان في ذلك الزمن المبكر من العصر الحجري الحديث أعتبر قفزة كبيرة في مضمار التقدم والحضارة، وذلك بانتقاله من حياة الصيد والتجوال وجمع قوت يومه إلى مرحلة من حياته أكثر أمناً واستقراراً، والتي عدها بعض المشتغلين في نشوء الحضارات الأولى أخطر انقلاب حققته البشرية في مسيرتها الطويلة على سطح هذا الكوكب، وقد أطلق عليها البعض ثورة إنتاج القوت والثورة الزراعية وثورة العصر الحجري الحديث.أنها المرحلة التي أعقبها التوصل إلى معارف وتقنيات عديدة في العمارة وعمل الفخار وممارسة معتقدات أولى في الدين والعبادة، وكله في قرى أولى اقامها ذلك الإنسان في مقاره التي حقق فيها تلك القفزة النوعية في حياته الاقتصادية.
وقد تحقق كل ذلك بخطوات بطيئة، إلا أنها مثمرة استغرقت ما لا يقل عن خمسة الآف سنة أعقبت توصله إلى تلك القفزة الاقتصادية الهامة، فنمت قراه الزراعية الأولى إلى نواة للمدن بتكوينها الاجتماعي ونسيجها الحضري الذي قاد بالتالي إلى ظهور الحضارة العراقية الناضجة في أواخر الألف الرابع ومطلع الألف الثالث قبل الميلاد.
ومن النتائج الفكرية الهامة للتحول الاقتصادي هذا ظهور العقيدة الدينية بأبسط مظاهرها في تقديس الأرض واعتبارها إلهة للخصب والعطاء ومصدراً للغذاء فكانت الأم الأرض أول معبود اتخذته البشرية الأولى في كل مكان عرفت فيه الزراعة وتدجين الحيوان. فقد قدس فلاحو العراق والعالم القديم كله الأرض بشكل امرأة بحالة الحمل، وأقاموا لها المزارات وقد موا لها الهدايا والنذور، والأم الإلهةMother Goddess أو الأم الأرض(Mother Earth) عند السومريين وبصفاتها الأخرى في الجنس والخصب وتكثير النسل والحب والزواج هي إنانا(E-Nann) كبيرة آلهة الوركاء التي منحتها الملوكية والسيادة والحكمة.
بعد انقضاء الألف الرابع قبل الميلاد، حين نمت قرى العراق الزراعية الأولى وصارت مدناً تشعبت فيها الحياة وتشابكت مصالح السكان والمعبد والكهنة، وكان لابد من إيجاد تشريعات لحماية الفرد في المجتمع وتنظيم شؤون الحياة في دولة المدينة(City-State).
فوضعت إصلاحات اجتماعية اولاً اعقبتها قوانين وشرائع كان للمرأة فيها نصيب وافر. فقد وضع أورو- كاجينا(2378-2371 قبل الميلاد) الحاكم السومري لسلالة لجش إصلاحات اجتماعية تنظم حياة الأسرة ومكانة المرأة في مجتمع دولة المدينة السومرية، إضافة إلى تنظيمه للشؤون الاقتصادية وحده من سيطرة المعبد وكهنته على شؤون الدولة المالية وفي شريعة أور- نمو مؤسس سلالة أور الثالثة السومرية (2113-2006 قبل الميلا) عدد من المواد القانونية تعالج حقوق المرأة الباكر والمتزوجة والمطلقة. ولم تغفل شريعتا ليت- عشتار وأشنونا المرأة وشؤونها العائلية، كما تحتوي شريعة حمواربي(1792-1750 قبل الميلاد) على أكثر من ثلاثين مادة قانونية (المواد 127-194) تعالج شؤون الأسرة والمرأة بالذات من زواج وطلاق وأرث وتبن وحمايتها من أي نوع من أنواع الاعتداء. وإن هناك العديد من رقم طين مدونة بالخط المسماري لقوانين آشورية تتطرق في عدد من موادها إلى شؤون المرأة ومكانتها الاجتماعية وفي العديد من قوانين العراق القديم مواد تبحث في حقوق المرأة وامتيازاتها التي تُعد على درجة من التقدم في حينه. فقد اعطت بعض تلك التشريعات للمرأة حق إدارة أملاكها الخاصة بنفسها دون أي تدخل من ذويها أو زوجها، كما منحتها إحدى مواد شريعة حمورابي الحق في طلب الطلاق أن استطاعت أن تثبت أمام القضاء أن زوجها قد أهانها أو أساء إلى سمعتها،كما أعطاها الحق في أن تثبت براءتها واخلاصها للحياة الزوجية إذا أدّعى الزوج بأنها قد خانته.
وكان للمرأة في العراق القديم الحق في ممارسة أعمال ومهن مختلفة والقيام بواجبات ضمنها لها المجتمع والقانون. فقد شاركت نساء سومريات معروفات أزواجهن الأمراء والحكام في الإشراف على شؤون الدولة وتصريف الشؤون المالية وجمع الضرائب وتوزيع الأرزاق وشراء العبيد وترؤس الاحتفالات الدينية. كما برزت منهن حاكمات وكاهنات وقد شغلت نساء بارزات في المجتمع الآشوري مناصب كبيرة في الدولة. ولدينا نص مسماري من القرن الثامن عشر قبل الميلاد يشير إلى أن امراة قد ساهمت في هيئة من المحلفين أمام مجلس للقضاء في مدينة نفر. وقد امتهنت المرأة في العراق القديم. ومنذ العصر السومري مهنا ًمختلفة منها الكتابة والطب والغناء والعزف على الآلات الموسيقية وتصفيف الشعر وادارة الحانات والمطاعم. وكانت المغنية أور نانشه من أشهر النساء الموسيقيات في أواخر عصر فجر السلالات السومرية في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. كما كانت تغني وتؤدي بعض الرقصات أيضاً وتمثالها المكتشف في مدينة ماري على نهر الفرات(ضمن الحدود السورية الآن) يظهرها مرتدية سروالاً وشعرها المجعد متهدل على كتفيها وظهرها. كما كانت حفيدة العاهل الأكدي المعروف نرام سن(2254-2230 قبل الميلاد) تعزف على الكنارة في حضرة الإله سن إله القمر في معبده الرئيس في آور. ومن النساء الشهيرات في العراق القديم الملكة شبعاد(بو-أبي) زوجة الملك آبار- كي أحد ملوك سلالة آور الأولى سنة(2650 قبل الميلاد). اشتهرت هذه السيدة السومرية بمقبرتها المكتشفة في أور في أواخر العشرينات من القرن الماضي والشهيرة بزينتها وأثاثها الملكية من الحلي والاحجار الكريمة وكذلك الضحايا البشرية التي رافقتها إلى مقبرتها والمؤلفة من حاشيتها وخدمها وحرسها بألبستهم الكاملة وأسلحتهم وعرباتهم وعددهم تسعة وخمسون شخصاً. وقد تكون شبعاد وزوجها أبار- كي من ضحايا طقوس وشعائر الزواج المقدس الذي كان يمارس سنوياً في مرحلة مبكرة من التاريخ السومري ليعم الرخاء والخصب في البلاد.
والملكة كوبا با (2420 قبل الميلاد) استولت على عرش كيش وحكمت دولة مدينتها مدة ثلاثين سنة بحنكة وذكاء واقتدار دون مشاركة زوجها أو إبنها. كما كانت الأميرة والكاهنة انخيدوانا ابنة سرجون الأكدي(2371-2316 قبل الميلاد) أول أميرة في العراق القديم تشغل منصب كاهنة عظمى (أنتو) في معبد الإله سن إله القمر في أور ولمعبد إله السماء آنو في الوركاء بوقت واحد. وقد عُرفت الأميرة انخيدوانا بكونها شاعرة أيضاً. فقد وصلتنا إحدى أشهر قصائدها في مدح الإلهة إنانا(عشتار) والتي دعتها فيها سيدة النواميس جميعها، معددة خصال هذه الإلهة العظيمة.منذ أقدم الأزمنة في بلاد ما بين النهرين كانت النسوة الواتي ينحدرن من طبقة اجتماعية ممن يتمكنون على صنع تماثيل لهن قادرات على وضع ما يمثلهن في المعابد. وكن يفعلن ذلك من أجل أن تبقى تماثيلهن في حالة صلاة مستمرة بينما يقمن بأعمالهن اليومية كالعادة. وكانت هذه التماثيل العبادية تمثل المرأة فهي ترتدي الزي السائد في المجتمع آنذاك، وهو رداء بسيط يكشف الكتف الأيمن للمرأة بينما ترتب شعرها بخصلات جميلة الشكل.
كان دور المرأة في مجتمع بلاد ما بين النهرين معينا بدقة. كانت ابنة ابيها أو امرأة زوجها. ونادرا ما كانت المرأة تعمل كفرد مستقل خارج نطاق عائلتها؛ بينما كن النساء من العائلات الملكية أو نساء أصحاب النفوذ قادرات على تأكيد أدوارهن الفردية.
ومعظم الفتيات كن يتدربن منذ الطفولة على الأدوار التقليدية للزوجة والأم وربة البيت. كن يتعلمن كيف يطحن الحبوب، والطبخ وصناعة المشروبات وبخاصة البيرة، وكيف يغزلن ويحكن الثياب. وإذا عملت المرأة خارج بيتها فإن عملها يبقى ضمن واجباتها المنزلية. كانت ربما تبيع البيرة، أو تدير حانة. أما دورها كأم ومربية لأطفالها فقد دفعها لتتعلم وظيفة المولدة للنساء وكذلك لعمل الأدوية التي تمنع الحمل أوتسبب الإسقاط. وبعيد وصولها سن البلوغ كانت الفتاة تعد جاهزة للزواج. كانت الزيجات ترتب من قبل عوائل الزوج والزوجة. وقد وصفت حفلات الزواج بأن يقوم العريس بصب العطور على رأس عروسه. وكان يعطيها ويعطي عائلتها الهدايا والنقود. وحالما تخطب الفتاة ستصبح جزءا من عائلة خطيبها. فإذا مات خطيبها قبل الزواج فستتزوج أحد أخوته أو أحد أقربائه
نساء على خارطة العراق التاريخية
1) الكاهنة العظمى "انخيدو أنا " ابنة سرجون سيد بلاد اكد وسومر
هي أول أميرة تشغل مركز الكاهنة العظمي (لأنو) وللإله (سن) وهو اله القمر، وهي بذلك قد حازت على مجموعة من السلطات الدينية في مدينة الوركاء، ولعل امتداد السلطة في العائلة تعبر عن شكل من أشكال تمظهر النظم السياسية فيما سبق، والتي كانت تحكم باسم الآلهة في تلك الفترات التاريخية الغابرة، كما إن (سن) ذاته عند العرب الجاهليين هو(ود) إله الحب في بعض ما يرمز إليه، ولازالت الكلمة تحمل مدلولاتها التاريخية بالتعبير عن مشاعر الحب، وقد سادت عبادة آلهة القمر في أور.
كما أن أهميتها لم تنبع فقط من اعتبارها الكاهنة العظمي، وإنما لكونها قد سنت أن يبقى بعدها منصب الكاهنة العظمي مقتصرا على الأميرات من بنات وأخوات الملوك أيضا، وشغلت (انخيدو أنا) إضافة إلى منصبها منصبا آخر هو الكاهنة العظمي أيضا لمعبد الإله (آنو) إله السماء في الوركاء .ولم تشتهر الأميرة بكونها الكاهنة العظمى فقط أو لسنها ما أشرنا إليه، بل بكونها قد برزت في مجال الأدب، وهي شاعرة تنظم القصائد في مدح الآلهة، وقد وصلتنا أحد قصائدها الشعرية المسماة (سيدة النواميس الإلهية)، والتي نظمتها في مدح الآلهة (أنانا)(عشتار)، والمعروف ان الأكديين حين تسلموا السلطة في وادي الرافدين قد رفعوا من شأن الآلهة أنانا السومرية، وينسب البعض الأكديين أنفسهم إلى القبائل العربية القديمة التي عبدت الآلهة (عشتار)، والتي كان يرمز لها بنجمة الصبح، أو الزهرة، وهي ذاتها (العزى) عند العرب الجاهليين، كما تشكل الزهرة في شروقها الصباحي (نجمة الصبح) تعبيرا عن آلهة الجمال، بينما إذا اشرقت بعد المغيب فهي تعبير عن آلهة الحرب، ولربما كثرت في الأشعار العربية ذكر النجوم لذلك الارتباط بالمقدس الجاهلي.
و تتميز القصيدة التي وجدت على ألواح الطين أنها من تلك القصائد النادرة التي كتبت عليها اسم مؤلفتها ولقبها، ومن المعروف أيضا انه في المعتقدات الاكدية تكون أنانا هي زوجة الإله (آنو) رئيس الآلهة السومرية، وهو الذي جعلها حاكمة لجميع النواميس الإلهية، وبذلك كانت هي ذاتها مقررة للمصائر، ويبدو أن هناك تشابها بين هذه الأسطورة والأساطير اليونانية التي تتكلم عن ربات المصائر .و سنحاول فيما يلي أن نعيد صياغة بعض شطرات القصيدة التي احتوت على 153 شطرة شعرية، والتي وجدت مكتوبة بالخط المسماري
سيدة النواميس
يا سيدة النواميس والنور الساطع
واهبة الحياة الجليلة في لكون
كاهنة الإله (آنو)، وزوجته
أيتها المرأة العظيمة، الفاتنة بحليها
المفتونة بالتاج واهب الحياة
حارسة للنواميس السبعة بيديك القادرة
فضممتها إلى صدرك .
قادرة كالتنين يملئ البلاد بالسم الزعاف
أو كالزئير الذي يخفي اخضرار البلاد
و من الجبل تسوقين الطوفان
يا صاحبة المقام الجليل
تمطرين النار بالبلاد
أنت سيدة الكائنات والنواميس
من يستطيع فك أسرارك العظيمة في الشعائر
أجنحة عاصفتك تدمر البلاد الأجنبية
يا محبوبة (انليل) جعلتها تهب
فنفذت ما يأمر (آن)
يا سيدة الصرخات، تنحني لك البلاد الغربية
يرتعش الناس من نورك الوهاج بالعدل
لأنهم في حضرة بيت الأحزان العظيمة
وكل شيء يتهاوى في المعركة أمامك
يا سيدة الفناء، تدمدمين، تهجمين، ترعدين كالعاصفة
لان قدماك الريح تردد الحزن على قيثارة البكاء
الآلهة العظام كالخفافيش المرفرفة يهربون إلى الكهوف
إذا أبدت نظراتك الرهيبة
أيهم يقدر على تهدئة قلبك الغاضب، الحاقد
يا ابنة (سين) الكبرى، أيتها السيدة الجلية المعظمة
الجبال التي ما طأطأت رأسها، حرمتها الريح والقمتها النيران .
2) محبوبة الحمام " سامو رامات او سميراميس"
عرف العالم الكلاسيكي وكتاب اليونان الملكة الآشورية سومو- رامات (محبوبة العالم) باسم سميراميس. كانت سومو-رامات زوجة للعاهل الآشوري شمشي- أدد الخامس(822-811قبل الميلاد) الذي حكم الإمبراطورية الآشورية من عاصمته نمرود(كالح).وعند وفاته كان ابنه أدد- نراري الثالث(811-783 قبل الميلاد) قاصراً لم يبلغ سن الرشد بعد، فتولت السلطة نيابة عنه والدته سمو- رامات ولمدة خمس سنوات. قلدت سمو- رامات الملوك الآشوريين العظام بإقامة مسلّة لشخصها تخلد ذكراها في ساحة المسلات في معبد الإله آشور في العاصمة المقدسة آشور(قلعة شرقاط) التي اكتشفتها بعثة التنقيب الألمانية في مطلع القرن العشرين وبرئاسة المنقب والتر اندريه جاء فيها:
مسلة سومو- رامات
ملكة شمشي أدد
ملك الكون
ملك بلاد آشور
كنة شملنصر
ملك الجهات الأربع
كانت شخصية هذه السيدة العراقية من القوة والتأثير بحيث أصبحت قادرة على إدارة دفة الحكم في الإمبراطورية الآشورية المترامية الأطراف باقتدار لمدة خمس سنوات وكانت انجازاتها العمرانية والعسكرية سبباً اكسبها شهرة واسعة في عصرها ولأجيال عديدة لاحقة مما جعل من اسمها وذكراها مادة لكثير من الأساطير والقصص.وزاكو تو (نقية) التي تنتمي إلى إحدى القبائل العربية إلى الغرب من بلاد آشور كانت الزوجة المحبوبة والمفضلة لدى العاهل الآشوري شنحاريب(705-681 قبل الميلاد) وقد أطلق عليها زوجها اسمها الآشوري(زاكوتو) بعد الزواج. لم تكن السيدة نقية زوجة ملك اعتيادية ترضى بحياة القصور المترفة، بل استطاعت بدهائها وذكائها أن تساهم في حكم الامبراطورية إلى جانب زوجها. وكان لها نفوذ كبير في ارجاء البلاد، وتمكنت نقية بحنكتها أن تجعل من ابنها أسرحدون (680-669 قبل الميلاد) ولياً للعرش بالرغم من أنه لم يكن الابن البكر لسنحاريب.
ونسبت اليها اعمال واساطير لطيفة ومنها انها ابنة الهة نصفها سمكة والنصف الاخر حمامة وكانت تعبد في مدينة عسقلان وصارت رمزا وعنوانا لامجاد حضارة وادي الرافدين وقد حكمت هذه الملكة لمدة شنوات بعد وفاة زوجها وبصفتها وصية على ابنها الصغير .
3) ألمطربة السومرية " اور - نانشي "
تعتبر بحق من اوائل من تحدث عنهم التاريخ في مجال الغناء في العالم القديم, , وهذه المغنية الشهيرة التي نالت شهرة واسعة كانت تجيد العزف على الآلة الموسقية بدليل .وجود تمثال لها وهي تعزف وكذلك تجيد الرقص مع الغناء وخاصة في القصور الملكية والحفلات ذات المستوى العالي أن تفا صيل هذا التمثال توحي لنا بوضعها الأرستقراطي وتسريحة شعرها المنظم المسدول الى الخلف الواصل الى تكوير عجزها بشكل أكثر استدارة ليظهر الوفرة للحم في هذه المنطقة في الشكل المدور(( اما الملابس فهي ترتدي سروالاً داخلياً محكم الشد على رجليها (لانها كانت تؤدي الرقصات أثناء الغناء ،وهذا التمثال وضع في معبد نيتي زازا— nini-zaza (في ماري مع قطع أخرى لأور- نا نشي وهي مصورةعلى شكل امرأة تعزف قيثارة)
ويبقى تمثال أور- نانشي يشغل حيزاً مهماً في الفن السومري في عصر مسيلم ومن إنتاج مدينة ماري التي وجد وا فيها كثرة من التما ثيل التي تمثل الحقبة السومرية ،وهذه التماثيل تضاف الى قاعدة الفن السومري الثابتة الركائز
وقد أورد الباحث صموئيل كريمر أول أغنية في ا لحب تدور حول عروس مبتهجة وملك اسمه (شو- سين ) في بلاد سومر ( 2000 ق.م ) وهو رابع ملوك السلالة الثالثة في اور.
وهذا جزء من الأغنية :-
((أيها العريس الحبيب الى قلبي ،
جمالك باهر، حلو ، كالشهد ،
أيها ا لأسد ا لحبيب الى قلبي،
جمالك باهر، حلو، كالشهد ،
لقدا سرت قلبي فدعتي أقف بحضرتك وأنا خائفة مرتعشة ،
أيها العريس سيأخذونني إليك الى غرفة النوم ،
لقد أسرت قلبي ، فدعتي أقف بحضرتك ، وأنا خائفة مرتعشة
ايهاالأسد ستأخذ بي الى غرفة نومك
أيها العريس دعتي أدللك ،
فأن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد ،
وفي حجرة النوم الملأ بالشهد ،
ذعنا نستمتع بجمالك الفاتن ،
أيها الأسد، دعتي أدللك ،
فأن تدليلي أطعم وأشهى من الشهد ))
4- أدد- كوبي
والدة آخر عاهل بابلي كلدي ( نابونائيد ) حكم بلاد النهرين قبل سقوط بابل بايدي الفرس الاخمينين عام (539 قبل الميلاد). وقد عاشت أكثر من مائة سنة قضتها كما يخبرنا ابنها نبونائيد في نص مسماري على إحدى المسلتين اللتين أقامتها في معبد الإله سن إله القمر في حران، في التعبد والصلوات والأعمال الصالحة وتقديم النذور وخدمة الإله سن في معبده في حران، وفي حديثه عن والدته يصف نبونائيد مراسيم وطقوس دفنها ومدى الحزن والأسى الذي عمّ البلاد بوفاتها.
تعليقات ومشاركات الزوار
سميراميس الهة شمسية يتعبدها العراقيون ان اسطورة(سميراميس) لهي دليل ساطع وفاجع على مدى تناسي العراقيين لتاريخهم. فهذه الاسطورة التي خلبت الباب البشرية، وفرضت حضورها في الادب وفي التاريخ وفي الرسم وفي الموسيقى وفي السينما وفي المسرح وفي السحر وفي السياحة، اي في كل مجالات الحياة في العالم اجمع، إلا العراقيون احفادها فقد تناسوها، فهم يتذكرونها اقل بكثير ممن يتذكرون (بلقيس) ملكة اليمن، على سبيل المثال؟؟؟!!! لقد خلبت حكاية هذه الملكة العراقية، الباب الناس في العالم اجمع على مر القرون، منذ اكثر من الفي عام. فهي تشتهر بالجمال والقوة والحكمة، وبقدرتها الفائقة على ادارة الدولة وقيادة الحروب والتوسع بالفتوحات وروح الاصلاح والتعمير. تنسب لها الاساطير بانها هي التي شيدت بابل بحدائقها المعلقة ، وانشأت العديد من المدن وغزت مصر و جزءا كبيرا من آسيا والحبشة، وحاربت الميديين ، واخيرا قادت هجوما غير ناجحا على الهند، كاد يؤدي بحياتها اما في لعصور الحديثة فان صيتها لم يتوقها، حيث انجزت عنها العديد من الكتب والروايات والاوبرات العالمية والمسرحيات، ولم تبخل عليها هوليود باكبر افلامها. ويحمل اسم (سميراميس) في جميع انحاء العالم وفي جميع اللغات ما لايحصى من المراكز السياحية والفنادق ودور التجميل والانوثة والمتعة. يصفها الكاتب (ويفي ميليفل) في ثنايا روايته (ساركادون.. اسطورة الملكة العظيمة): (( كانت فائقة الجمال، لا شك في الامر، ذلك الجمال الذي تعجز الكلمات عن وصقه، انه الجمال المنتصر، ليس باقل من الجمال الذي يذعن له الآخرون رغما عن ارادتهم)) كانت تشتهر بان لها قوة خارقة كبطلة عراقية إذ تكاد ان تكون الرديف الانثوي للبطل الذكوري (كلكامش). كانت تمتلك عيون ساطعة رغم كثافة رموشها و نظراتها الودودة، لكن يشع منها وهج عبقرية القائد الذي يستطيع ان يأمر جيشا و يؤسس امبرلطورية. ان شخصيتها الخلابة المهيمنة جعلتها تكتسب شهرة ذائعة الصيت حتى ان (ماركريت) ملكة الدانمارك والسويد والنرويج (1353-1412) و كذلك (كاترين الثانية) قيصرة روسيا ( 1729-1796) صنفتا كليهما على انهما ((سميراميس)) اوربا. انتشار الاسطورة حسب الاسطورة ان اسم (((سميراميس))) يعني (الحمامة)، واطلق عليها هذا الا سم لأن الحمائم احتضنتها عند مولدها ورعتها واشرفت على غذائها.. وتحكي الاسطورة انه انسابت سيول عارمة ذات يوم على منابع نهر الفرات ففاض النهر، وتدفقت مياهه، وخرجت الاسماك تستلقي على الشاطئ، وكانت بين تلك الاسماك سمكتان كبيرتان حيث سبحت السمكتان الى وسط النهر وبدأتا بدفع بيضة كبيرة طافية على السطح الى ضفة الفرات، واذ بحمامة بيضاء كبيرة تهبط من السماء وتحتضن البيضة بعيدا عن مجرى النهر. ورقدت الحمامة على «البيضة» حتى فقست، ومن داخل البيضة خرجت طفلة رائعة الجمال من حولها أسراب من الحمام ترف بعضها عليها بأجنحتها لترد عنها حر النهار وبرد الليل. ثم بدأت الحمائم تبحث عن غذاء للطفلة، فاهتدت إلى مكان يضع فيه الرعاة ما يصنعون من جبن، وحليب، فتأخذ الحمائم منها بمقدار ما تحمل مناقيرها، لتقدمه للطفلة التي عاشت مع حمائمها سعيدة لا تعرف أبداً طعم الشقاء. وقد تنبه الرعاة إلى جبنهم المنقور وحليبهم المنقوص، فقرروا ترك أحدهم ليراقب المكان وشهد الراعي الحمائم وهي تحط حول الجبن وتلتقط قطعه الصغيرة، وتملأ مناقيرها بالحليب وتطير به إلى مكان ليس ببعيد، فأخبر الراعي رفاقه فتبعوا الحمائم حتى وصلوا إلى حيث صبية ذات جمال رائع، فأخذوها إلى خيامهم، واتفقوا على أن يبيعوها في سوق «نينوى» العظيم. وفي صبيحة ذات يوم حملوا الفتاة وقد اطلقوا عليها اسم «((سميراميس))»، إلى سوق نينوى. واتفق أن كان ذلك اليوم يوم موسم للزواج الذي يقام كل عام، حيث تجتمع في السوق الكبير جموع الشبان والشابات قادمة من كل نواحي المملكة، لينتقي كل شاب عروساً شابة، أو ينتقي صبية يحملها إلى داره فيربيها إلى أن تبلغ سن الزواج فيتزوجها أو يقدمها عروساً لأحد ابنائه. كانت ساحة سوق «نينوى» تغص بالشيوخ «الكهول والشبان». دخل الرعاة بالصبية الصغيرة الحسناء إلى حيث يعرضونها للبيع. جلس الرعاة مع الصبية في أول الصف، فشاهدهم «سيما» ناظر مرابط خيول الملك، وكان عقيماً لا ولد له فهفا قلبله إلى «((سميراميس))» ورغب في تبنيها. ودعا «يما» الرعاة وساومهم على ثمنها، وعندما تمت الصفقة، عاد بها إلى منزله. ما أن رأت زوجته هذه الصبية ذات الجمال الرائع حتى فرحت فرحاً غامراً واعتنت بها عنايتها بابنتها، وظلت ترعاها حتى كبرت واستدارت وبرزت أنوثتها كأجمل ما تكون النساء! و في يوم ما كان اونس مستشار للملك، يتفقد الجمهور المحتشد بأمر من الملك واذا بعينه تقع على ((سميراميس)) وهي الآن في عمر مناسب للزواج، فيصعق مذهولا من جمالها وبراءتها. قام باخذها معه الى نينوى و تزوجها هناك، و صار لهما طفلين ربما توأمين هما (هيفاتة) و(هيداسغة). يبدوا انهما كانوا سعداء، اما (سميراميس) فكانت فائقة الذكاء حيث كانت تقدم لزوجها النصح والمشورة في الامور الخطيرة فأصبح ناجحا في كل مساعيه. اثناء ذلك كان ملك نينوى ينضم حملة عسكرية ضد الجارة باكتريا، فأعد جيشا ضخما لهذا الغرض لانه كان يدرك صعوبة الاستيلاء عليها. بعد الهجوم الاول استطاع ان يسيطر على البلد برمته ما عدا العاصمة باكترا التي صمدت. شعرالملك بالحاجة الى اونس و لذا ارسل في طلبه، لكن اونس لا يريد مفارقة زوجته الحبيبة فسألها ان كانت ترغب في مرافقته، ففعلت. هناك بعد ان تابعت ((سميراميس)) سير المعارك و درستها بعناية و ضعت العديد من الملاحظات عن الطريقة التي يدار بها الحصار. فبما ال القتال كان يجري في السهل فقط وان كل من المدافعين والمهاجمين لم يعروا القلعة اهمية، طلبت (سميراميس) ارسال مجموعة من الجنود المدربين على القتال في الجبال، الى المرتفع الشاهق الذي كان يحمي الموقع. ففعلوا ذلك ملتفين حول خاصرة العدوالمدافع وهكذا وجد الاعداء انفسهم محاصرين و لا خيار لهم سوى الاستسلام. في ثنايا هذه الاحداث صار الملك (نينوس) شديد الاعجاب ب(سميراميس) لما ابدته من شجاعة ومهارة لحسم المعركة. منذ اللحظة اخذ الملك يتمعن في وجهها الساحر و جمالها المدهش، فادرك ان قلبه غير قادر على مقاومة سحرها، و لذا طلب منها ان تكون زوجته وملكته. ثم عرض على اونس ان يأخذ ابنته بدلا عنها، الا ان اونس رفض ذلك. مما حدا بالملك ان يهدده بقلع عينيه ، وتحت وطأة الخوف واليأس استسلم اونس لمطلب الملك، عير انه انهى حياته بعد فترة وجيزة من زواجها من الملك. هكذا افلح نينوس بالزواج من (سميراميس) و صار لهم طفلا اسمياه (نيناس). بعد موت الملك اعتلت العرش كملكة لنينوى عاصمة بلاد النهرين. حسب الاسطورة الرائجة، قد دام حكمها 42 عاما، لكن الواقع انها كانت تحكم سوية مع زوجها الملك، فقط السنوات الخمس الاخيرة حكمت بمفردها بعد وفاة زوجها. و قد بدأت حكمها ببناء ضريح فخم في نينوى تمجيدا لزوجها الملك(نينوس). وتنسب اليها اسطورة الشعبية بانها هي التي بنت مدينة(بابل)، حيث شرعت بعزيمة لا تنثني بحملة واسعة النطاق ببناء مدينة لنفسها ليس بعيدا عن نينوى، هذه المدينة الجديدة هي (بابل). و قد استخدمت لهذا الغرض اكثر من مليوني عامل طبقا لما يقوله المؤرخ الاغريقي (ديودروس)، جالبة اياهم من كل ارجاء الامبراطورية المترامية الاطراف لانجاز هذه المهمة الضخمة. ان محيط السور وحده كان حوالي 66 كيلومترا طولا، اما عرضه فقد كان بامكان 6 عربات تجرها خيول بالمرور فوقه وهي تسير جنبا الى جنب، وارتفاعه حوالي100 متر. تم تشييد 250 برج لحماية المدينة، واقيم كذلك جسر بطول 900 متر على نهر الفرات الذي كان يمر وسط المدينة. و قد اقيمت عند نهاية كل جسر قلعة محصنة كانت الملكة تستخدمها كدار استراحة، هذه القلاع كانت متصلة بعضها ببعص عبر ممرات سرية تحت النهر. وفي هذه لفترة نفسها بنيت الحدائق المعلقة الشهيرة. ثم اخذت جيوش العراقيين في السنوات اللاحقة بالتوغل بعيدا في آسيا، وهناك اشادت الملكة متنزه فسيح مقابل جبل باجستان، و عدد آخر من النوافير المزخرفة عند ايكافاتانا. و قد فاقت شهرتها اي من النساء المقاتلات في تلك العصور. يقال ان (سميراميس) كانت مسؤولة عن نشؤ العديد من مدن العالم القديموالتي أقيمت على نهري دجلة والفرات، وكذلك عن اقامة العديد من اجمل واروع الاضرحة الفريدة والمواقع النادرة الاخرى في كل آسيا. أما عسكريا فقد استولت على ميديا واخضعت مصر والجزء الاكبر من الحبشة، و كذلك قامت بحملة لاخضاع الهند، فانشأت جيشا جرارا لهذا الغرض و نجحت في عبور نهر السند، لكن جيشها جوبه باعداد هائلة من الفيلة المدربة مما افزعوا الخيل والجند، وانسحب جيشها فارا و تعرضت هي نفسها لطعنة كادت تودي بحياتها، و تمكنت بعد جهد شاق من عبور النهر، و هنا امرت بتدمير الجسر الذي اشادته كي لا يستطيع العدو من العبور عليه لملاحقتها. الاصل التاريخي للاسطورة مو الواضح ان معظم هذه الانجازات قد نسبتها خطأ الاسطورة الى (سميراميس)، فليس هي التي بنيت بابل ، ثم ان الملك العراقي( نبوخذنصر) هوالذي اشاد هذه الحدائق تلبية لرغبة زوجته الميدية. يبدوان اسم ((سميراميس)) هوالتحرف الاغريقي للاسم العراقي (سمورامات) وهي ملكة حقيقية مقدسة، وهي ام الملك الآشوري (اداد – نيناري الثالث) الذي حكم بين ( 810- 783 قبل الميلاد) و زوجة الملك شمشي – اداد الخامس ، حكم بين ( 823 – 811 قبل الميلاد)، و هوبدوره ابن شلمنصر الثالث و قد حكم بين ( 859 – 824 قبل الميلاد) ، و قد تميز حكمها بالغلاظة خاصة بين 810- 805 قبل الميلاد. من المؤكد ان هذه الحكاية الاسطورية مقتبسة من شخصية حقيقية هي الملكة العراقية(سمورات). بعد ذلك بقرون طويلة حرف الاغريق هذا الاسم الى (((سميراميس))). وهي اصلها من منطقة بابل، وتزوجت من ملك (نينوى)(شمسو حدد الخامس) ( 823-811 ق.م). بعد ان توفى زوجها لم يكن يبلغ ابنها ولي العهد (حدد نيراني) (811-783ق م) سن الرشد، فاستلمت زوجته(سمير امات) المملكة والحكم وأصبحت وصية على عرش ولدها لمدة 5 سنوات حتى بلغ سن الرشد. صحيح انها استلمت الحكم رسميا لفترة خمسة سنوات، الا انها كانت تشارك بالحكم منذ ايام زوجها وكذلك مع ابنها. ان شخصيتها القوية وذكائها الحاد وجمالها الاخاذ جلعلها تفرض سطوتها طيلة وتمسك بتلابيب دولة بلاد النهرين طيلة عشرات السنين. و قد عثر على نقش حجري تذكاري في مدينة (آشور) واخر في (كالح) تصور فيه على انها الملكة التي حكمت خلفا لزوجها المتوفى. لم تكتف هذه المرأة العظيمة بالسلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد بل تعدتها إلى التأثير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعي. فهي رغم انها تشارك سكان آشور بالحضارة العراقية المشتركة، الا ان اصلها الجنوبي منحها بعض الخصوصيات المذهبية والثقافية جيث تمكنت ان تشيع مثل هذه المؤثرات البابلية على طريقة الحكم وعلى الكهنوت الآشوري وعلى عموم الحياة في نينوى. فأضفت نوعا من الرقة والروحانية الجنوبية على المذهب الآشوري الذي كان يتسم اكثر بنوعا من تقديس الفحولة المتمثل بالاله آشور وكذلك الميل الى منطق القوة الحرب. بل حتى انها نجحت بابراز ادوار آلهة كانت ثانوية عند الآشوريين مثل اله الحكمة(نبو). لقد ملكت ( سمورامات) كالملوك العظام، حيث أقامت مسلة لتخلد ذكرها في ساحة المسلات في معبد آشور، وقد سجل على هذه المسلة العبارة التالية: ((مسلة سمورامات ملكة سيد القصر – شمس حدد ملك الكون ملك آشور والد حدد نيراني ملك الكون ملك آشور وكنة شلما نصر ملك الجهات الاربعة..)) يعتقد ان( سمورامات)، قد حكمت بصورة مباشرة او غير مباشرة طيلة 42 سنة، وقامت بمشاريع عمرانية واسعة واهمها بناء مدينة آشور بمعابدها وقصورها الضخمة واحاطتها بالاسوار العالية. من الاعمال الجبارة التي قامت بها هذه الملكة بناء نفق مقبب من الحجر تحت مجرى نهر دجلة ليوصل طرفي المدينة. كذلك قامت بعد ذلك بفتوحات كثيرة استطاعت ان تسيطر على مصر وبلاد الشام وبلاد ميديا، ويعتقد انها ربما قد بلغت الهند. انها من اعظم النساء وكذلك دوما كانت المراة العراقية.
متابعة :
أنظر مقال د. عبد الامير الحمداني الموسوم ( القوى الكونية المؤنثة في العراق القديم ) - أضغط هنا من فضلك.
 |
 |
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. {IP: 125.236.227.91} |
3/13/2011 8:44:22 AM |
سميراميس الهة شمسية يتعبدها العراقيون ان اسطورة(سميراميس) لهي دليل ساطع وفاجع على مدى تناسي العراقيين لتاريخهم. فهذه الاسطورة التي خلبت الباب البشرية، وفرضت حضورها في الادب وفي التاريخ وفي الرسم وفي الموسيقى وفي السينما وفي المسرح وفي السحر وفي السياحة، اي في كل مجالات الحياة في العالم اجمع، إلا العراقيون احفادها فقد تناسوها، فهم يتذكرونها اقل بكثير ممن يتذكرون (بلقيس) ملكة اليمن، على سبيل المثال؟؟؟!!! لقد خلبت حكاية هذه الملكة العراقية، الباب الناس في العالم اجمع على مر القرون، منذ اكثر من الفي عام. فهي تشتهر بالجمال والقوة والحكمة، وبقدرتها الفائقة على ادارة الدولة وقيادة الحروب والتوسع بالفتوحات وروح الاصلاح والتعمير. تنسب لها الاساطير بانها هي التي شيدت بابل بحدائقها المعلقة ، وانشأت العديد من المدن وغزت مصر و جزءا كبيرا من آسيا والحبشة، وحاربت الميديين ، واخيرا قادت هجوما غير ناجحا على الهند، كاد يؤدي بحياتها اما في لعصور الحديثة فان صيتها لم يتوقها، حيث انجزت عنها العديد من الكتب والروايات والاوبرات العالمية والمسرحيات، ولم تبخل عليها هوليود باكبر افلامها. ويحمل اسم (سميراميس) في جميع انحاء العالم وفي جميع اللغات ما لايحصى من المراكز السياحية والفنادق ودور التجميل والانوثة والمتعة. يصفها الكاتب (ويفي ميليفل) في ثنايا روايته (ساركادون.. اسطورة الملكة العظيمة): (( كانت فائقة الجمال، لا شك في الامر، ذلك الجمال الذي تعجز الكلمات عن وصقه، انه الجمال المنتصر، ليس باقل من الجمال الذي يذعن له الآخرون رغما عن ارادتهم)) كانت تشتهر بان لها قوة خارقة كبطلة عراقية إذ تكاد ان تكون الرديف الانثوي للبطل الذكوري (كلكامش). كانت تمتلك عيون ساطعة رغم كثافة رموشها و نظراتها الودودة، لكن يشع منها وهج عبقرية القائد الذي يستطيع ان يأمر جيشا و يؤسس امبرلطورية. ان شخصيتها الخلابة المهيمنة جعلتها تكتسب شهرة ذائعة الصيت حتى ان (ماركريت) ملكة الدانمارك والسويد والنرويج (1353-1412) و كذلك (كاترين الثانية) قيصرة روسيا ( 1729-1796) صنفتا كليهما على انهما ((سميراميس)) اوربا. انتشار الاسطورة حسب الاسطورة ان اسم (((سميراميس))) يعني (الحمامة)، واطلق عليها هذا الا سم لأن الحمائم احتضنتها عند مولدها ورعتها واشرفت على غذائها.. وتحكي الاسطورة انه انسابت سيول عارمة ذات يوم على منابع نهر الفرات ففاض النهر، وتدفقت مياهه، وخرجت الاسماك تستلقي على الشاطئ، وكانت بين تلك الاسماك سمكتان كبيرتان حيث سبحت السمكتان الى وسط النهر وبدأتا بدفع بيضة كبيرة طافية على السطح الى ضفة الفرات، واذ بحمامة بيضاء كبيرة تهبط من السماء وتحتضن البيضة بعيدا عن مجرى النهر. ورقدت الحمامة على «البيضة» حتى فقست، ومن داخل البيضة خرجت طفلة رائعة الجمال من حولها أسراب من الحمام ترف بعضها عليها بأجنحتها لترد عنها حر النهار وبرد الليل. ثم بدأت الحمائم تبحث عن غذاء للطفلة، فاهتدت إلى مكان يضع فيه الرعاة ما يصنعون من جبن، وحليب، فتأخذ الحمائم منها بمقدار ما تحمل مناقيرها، لتقدمه للطفلة التي عاشت مع حمائمها سعيدة لا تعرف أبداً طعم الشقاء. وقد تنبه الرعاة إلى جبنهم المنقور وحليبهم المنقوص، فقرروا ترك أحدهم ليراقب المكان وشهد الراعي الحمائم وهي تحط حول الجبن وتلتقط قطعه الصغيرة، وتملأ مناقيرها بالحليب وتطير به إلى مكان ليس ببعيد، فأخبر الراعي رفاقه فتبعوا الحمائم حتى وصلوا إلى حيث صبية ذات جمال رائع، فأخذوها إلى خيامهم، واتفقوا على أن يبيعوها في سوق «نينوى» العظيم. وفي صبيحة ذات يوم حملوا الفتاة وقد اطلقوا عليها اسم «((سميراميس))»، إلى سوق نينوى. واتفق أن كان ذلك اليوم يوم موسم للزواج الذي يقام كل عام، حيث تجتمع في السوق الكبير جموع الشبان والشابات قادمة من كل نواحي المملكة، لينتقي كل شاب عروساً شابة، أو ينتقي صبية يحملها إلى داره فيربيها إلى أن تبلغ سن الزواج فيتزوجها أو يقدمها عروساً لأحد ابنائه. كانت ساحة سوق «نينوى» تغص بالشيوخ «الكهول والشبان». دخل الرعاة بالصبية الصغيرة الحسناء إلى حيث يعرضونها للبيع. جلس الرعاة مع الصبية في أول الصف، فشاهدهم «سيما» ناظر مرابط خيول الملك، وكان عقيماً لا ولد له فهفا قلبله إلى «((سميراميس))» ورغب في تبنيها. ودعا «يما» الرعاة وساومهم على ثمنها، وعندما تمت الصفقة، عاد بها إلى منزله. ما أن رأت زوجته هذه الصبية ذات الجمال الرائع حتى فرحت فرحاً غامراً واعتنت بها عنايتها بابنتها، وظلت ترعاها حتى كبرت واستدارت وبرزت أنوثتها كأجمل ما تكون النساء! و في يوم ما كان اونس مستشار للملك، يتفقد الجمهور المحتشد بأمر من الملك واذا بعينه تقع على ((سميراميس)) وهي الآن في عمر مناسب للزواج، فيصعق مذهولا من جمالها وبراءتها. قام باخذها معه الى نينوى و تزوجها هناك، و صار لهما طفلين ربما توأمين هما (هيفاتة) و(هيداسغة). يبدوا انهما كانوا سعداء، اما (سميراميس) فكانت فائقة الذكاء حيث كانت تقدم لزوجها النصح والمشورة في الامور الخطيرة فأصبح ناجحا في كل مساعيه. اثناء ذلك كان ملك نينوى ينضم حملة عسكرية ضد الجارة باكتريا، فأعد جيشا ضخما لهذا الغرض لانه كان يدرك صعوبة الاستيلاء عليها. بعد الهجوم الاول استطاع ان يسيطر على البلد برمته ما عدا العاصمة باكترا التي صمدت. شعرالملك بالحاجة الى اونس و لذا ارسل في طلبه، لكن اونس لا يريد مفارقة زوجته الحبيبة فسألها ان كانت ترغب في مرافقته، ففعلت. هناك بعد ان تابعت ((سميراميس)) سير المعارك و درستها بعناية و ضعت العديد من الملاحظات عن الطريقة التي يدار بها الحصار. فبما ال القتال كان يجري في السهل فقط وان كل من المدافعين والمهاجمين لم يعروا القلعة اهمية، طلبت (سميراميس) ارسال مجموعة من الجنود المدربين على القتال في الجبال، الى المرتفع الشاهق الذي كان يحمي الموقع. ففعلوا ذلك ملتفين حول خاصرة العدوالمدافع وهكذا وجد الاعداء انفسهم محاصرين و لا خيار لهم سوى الاستسلام. في ثنايا هذه الاحداث صار الملك (نينوس) شديد الاعجاب ب(سميراميس) لما ابدته من شجاعة ومهارة لحسم المعركة. منذ اللحظة اخذ الملك يتمعن في وجهها الساحر و جمالها المدهش، فادرك ان قلبه غير قادر على مقاومة سحرها، و لذا طلب منها ان تكون زوجته وملكته. ثم عرض على اونس ان يأخذ ابنته بدلا عنها، الا ان اونس رفض ذلك. مما حدا بالملك ان يهدده بقلع عينيه ، وتحت وطأة الخوف واليأس استسلم اونس لمطلب الملك، عير انه انهى حياته بعد فترة وجيزة من زواجها من الملك. هكذا افلح نينوس بالزواج من (سميراميس) و صار لهم طفلا اسمياه (نيناس). بعد موت الملك اعتلت العرش كملكة لنينوى عاصمة بلاد النهرين. حسب الاسطورة الرائجة، قد دام حكمها 42 عاما، لكن الواقع انها كانت تحكم سوية مع زوجها الملك، فقط السنوات الخمس الاخيرة حكمت بمفردها بعد وفاة زوجها. و قد بدأت حكمها ببناء ضريح فخم في نينوى تمجيدا لزوجها الملك(نينوس). وتنسب اليها اسطورة الشعبية بانها هي التي بنت مدينة(بابل)، حيث شرعت بعزيمة لا تنثني بحملة واسعة النطاق ببناء مدينة لنفسها ليس بعيدا عن نينوى، هذه المدينة الجديدة هي (بابل). و قد استخدمت لهذا الغرض اكثر من مليوني عامل طبقا لما يقوله المؤرخ الاغريقي (ديودروس)، جالبة اياهم من كل ارجاء الامبراطورية المترامية الاطراف لانجاز هذه المهمة الضخمة. ان محيط السور وحده كان حوالي 66 كيلومترا طولا، اما عرضه فقد كان بامكان 6 عربات تجرها خيول بالمرور فوقه وهي تسير جنبا الى جنب، وارتفاعه حوالي100 متر. تم تشييد 250 برج لحماية المدينة، واقيم كذلك جسر بطول 900 متر على نهر الفرات الذي كان يمر وسط المدينة. و قد اقيمت عند نهاية كل جسر قلعة محصنة كانت الملكة تستخدمها كدار استراحة، هذه القلاع كانت متصلة بعضها ببعص عبر ممرات سرية تحت النهر. وفي هذه لفترة نفسها بنيت الحدائق المعلقة الشهيرة. ثم اخذت جيوش العراقيين في السنوات اللاحقة بالتوغل بعيدا في آسيا، وهناك اشادت الملكة متنزه فسيح مقابل جبل باجستان، و عدد آخر من النوافير المزخرفة عند ايكافاتانا. و قد فاقت شهرتها اي من النساء المقاتلات في تلك العصور. يقال ان (سميراميس) كانت مسؤولة عن نشؤ العديد من مدن العالم القديموالتي أقيمت على نهري دجلة والفرات، وكذلك عن اقامة العديد من اجمل واروع الاضرحة الفريدة والمواقع النادرة الاخرى في كل آسيا. أما عسكريا فقد استولت على ميديا واخضعت مصر والجزء الاكبر من الحبشة، و كذلك قامت بحملة لاخضاع الهند، فانشأت جيشا جرارا لهذا الغرض و نجحت في عبور نهر السند، لكن جيشها جوبه باعداد هائلة من الفيلة المدربة مما افزعوا الخيل والجند، وانسحب جيشها فارا و تعرضت هي نفسها لطعنة كادت تودي بحياتها، و تمكنت بعد جهد شاق من عبور النهر، و هنا امرت بتدمير الجسر الذي اشادته كي لا يستطيع العدو من العبور عليه لملاحقتها. الاصل التاريخي للاسطورة مو الواضح ان معظم هذه الانجازات قد نسبتها خطأ الاسطورة الى (سميراميس)، فليس هي التي بنيت بابل ، ثم ان الملك العراقي( نبوخذنصر) هوالذي اشاد هذه الحدائق تلبية لرغبة زوجته الميدية. يبدوان اسم ((سميراميس)) هوالتحرف الاغريقي للاسم العراقي (سمورامات) وهي ملكة حقيقية مقدسة، وهي ام الملك الآشوري (اداد – نيناري الثالث) الذي حكم بين ( 810- 783 قبل الميلاد) و زوجة الملك شمشي – اداد الخامس ، حكم بين ( 823 – 811 قبل الميلاد)، و هوبدوره ابن شلمنصر الثالث و قد حكم بين ( 859 – 824 قبل الميلاد) ، و قد تميز حكمها بالغلاظة خاصة بين 810- 805 قبل الميلاد. من المؤكد ان هذه الحكاية الاسطورية مقتبسة من شخصية حقيقية هي الملكة العراقية(سمورات). بعد ذلك بقرون طويلة حرف الاغريق هذا الاسم الى (((سميراميس))). وهي اصلها من منطقة بابل، وتزوجت من ملك (نينوى)(شمسو حدد الخامس) ( 823-811 ق.م). بعد ان توفى زوجها لم يكن يبلغ ابنها ولي العهد (حدد نيراني) (811-783ق م) سن الرشد، فاستلمت زوجته(سمير امات) المملكة والحكم وأصبحت وصية على عرش ولدها لمدة 5 سنوات حتى بلغ سن الرشد. صحيح انها استلمت الحكم رسميا لفترة خمسة سنوات، الا انها كانت تشارك بالحكم منذ ايام زوجها وكذلك مع ابنها. ان شخصيتها القوية وذكائها الحاد وجمالها الاخاذ جلعلها تفرض سطوتها طيلة وتمسك بتلابيب دولة بلاد النهرين طيلة عشرات السنين. و قد عثر على نقش حجري تذكاري في مدينة (آشور) واخر في (كالح) تصور فيه على انها الملكة التي حكمت خلفا لزوجها المتوفى. لم تكتف هذه المرأة العظيمة بالسلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد بل تعدتها إلى التأثير في الحياة الدينية والفكرية والاجتماعي. فهي رغم انها تشارك سكان آشور بالحضارة العراقية المشتركة، الا ان اصلها الجنوبي منحها بعض الخصوصيات المذهبية والثقافية جيث تمكنت ان تشيع مثل هذه المؤثرات البابلية على طريقة الحكم وعلى الكهنوت الآشوري وعلى عموم الحياة في نينوى. فأضفت نوعا من الرقة والروحانية الجنوبية على المذهب الآشوري الذي كان يتسم اكثر بنوعا من تقديس الفحولة المتمثل بالاله آشور وكذلك الميل الى منطق القوة الحرب. بل حتى انها نجحت بابراز ادوار آلهة كانت ثانوية عند الآشوريين مثل اله الحكمة(نبو). لقد ملكت ( سمورامات) كالملوك العظام، حيث أقامت مسلة لتخلد ذكرها في ساحة المسلات في معبد آشور، وقد سجل على هذه المسلة العبارة التالية: ((مسلة سمورامات ملكة سيد القصر – شمس حدد ملك الكون ملك آشور والد حدد نيراني ملك الكون ملك آشور وكنة شلما نصر ملك الجهات الاربعة..)) يعتقد ان( سمورامات)، قد حكمت بصورة مباشرة او غير مباشرة طيلة 42 سنة، وقامت بمشاريع عمرانية واسعة واهمها بناء مدينة آشور بمعابدها وقصورها الضخمة واحاطتها بالاسوار العالية. من الاعمال الجبارة التي قامت بها هذه الملكة بناء نفق مقبب من الحجر تحت مجرى نهر دجلة ليوصل طرفي المدينة. كذلك قامت بعد ذلك بفتوحات كثيرة استطاعت ان تسيطر على مصر وبلاد الشام وبلاد ميديا، ويعتقد انها ربما قد بلغت الهند. انها من اعظم النساء وكذلك دوما كانت المراة العراقية |
|
 |
 |
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. {IP: 80.90.168.59} |
10/13/2012 3:35:45 PM |
رمز الانوثة والخصب في العراق القديم ان رمز الانثى في حضارة العراق القديم ظل دائم الحضور في جميع الآثار التي تم العثور عليها. في الفترة الشبه كتابية استخدمت الرموز الانثوية للتعبير عن مدلولات كثيرة. نجد مثلا ان جسم المرأة قد استخدم بشكل اكثر من جسم الرجل. لا نستطيع هنا ان نغفل قرب هذه الفترة من الفترة الامومية، اذ فيها بدت واضحة السيطرة الانثوية. هذه السيطرة كانت لم تزل عالقة في الاذهان. ولا يخفى علينا وفرة التماثيل التى تصور الالهة الام وكثرتها، وكذلك الفخاريات المتعددة وخاصة من فترة سامراء حيث نرى مجموعة من النساء وقد تشابكت ايادهن في رقصة قد تكون طقسية. لو تخطينا هذه الفترات وسرنا نتعقب كيف قيمت المجتمعات الشبه كتابية والكتابية المرأة العراقية وذلك عبر الاساطير التى وصلتنا و كيف عبرت عنها لاعمال الفنية الاخرى من منحوتات وفخاريات، فسنرى خلال هذه المسيرة حضورا جوهريا للمرأة صعودا نحوالتعبد لها كالهة تتقاسم السيطرة مع الذكر. كذلك توليها الملك كحاكمة، بالاضافة الى بروزها في الحياة اليومية كامرأة اعتيادية، كأن تكون عازفة موسيقية او صاحبة حانة اي امرأة عاملة. حسب اسطورة الخليقة السومرية، قد كان يطلق على الكون اسم (ان - كي)، وهي كلمة مركبة تعنى (السماء- الارض). في هذه الثنائية تعتبر (آن ـ السماء) رمز الذكورة، اما (كي ـ الارض) فهي رمزالانوثة، ومن اتحادهما ولد (انليل اله الهواء). ثم قام(انليل) بفصل المساء عن الارض، وجعل والده مستقلا بعيدا، في حين استحوذ هو على امه الارض. (صاموئيل نوح كريمر ص 84) وهذا الفعل يذكرنا باسطورة اوديب التى طورت لتصبح عقدة اوديب والتى تشغل بال كل علماء النفس كما روج لها (سيجموند فرويد). وتستمر اساطير الخلق السومرية لتؤكد على دور الانثى الفعال، حيث نجد الالهة (ننليل) بعد ان تضاجع (انليل) تلد (القمر) وهوبدوره ينجب الشمس. من استعراض كل هذه الاساطير نجد ان الآلهة الانثوية كانت دائما تمتلك الكلمة العليا، وكانت على درجة المساواة مع الآلهة الذكورية، ولم تكن مهمة الخلق موكولة باله واحد، اذ جاء (انكي) مكملا عمل اسلافه، حيث تناديه امه(نمو) بعد ان كان نائما: (( يا ابنى قم واخلق لنا خدم للالهة لينتجوا اشباههم).. ثم اعطاها (انكي) وصفة من اجل خلق البشر. هكذا خلق البشر بطلب من الهة انثى... انكي( اله الارض والسماء) ومنبع النهرين يمنح الخصب والحكمة وهذا ما يقوله انكي لها: (( ايا امي ان المخلوق الذي نطقت بأسمه موجود اربطي عليه صورة الالهة اخلطي قلب الصلصال الذي فوق الغور ان الخالقين الطيبين يكتفون بالصلصال ان ننماخ الالهة الام سوف تعمل معك من فوق والهة الولادة سوف تقف معك في خلقك يا امي قرري مصير هذا الوليد ان ننماخ(الهة الارض الام) سوف تربط عليه قالب الالهة..)). وهكذا سار عمل الالهة الذكور والاناث متجانسا مكملا لبعضهم البعض، بدون منافسة وبشراكة مقبولة. في اسطورة اخرى نجد (انكي) يشكو وجعا اصاب احد اضلاعة فخلقت له الهة لتشفيه تدعى (نن - تي) وترجمة اسمها الحرفي (الهة الضلع). ان كلمة (تي) تعنى الضلع اوالمحييه، ومن هنا جاءت صفة الالهة (نن- تي) (السيدة التى تحي او سيدة الضلع). هذا يذكرنا كذلك باساطير التوراة وخلق (حواء) من ضلع (آدم). ان ((عينانا)) لدلا السومريين والتي حنملت اسم ((عشتار)) لدى الاكديين، هي الام العظمى ورمز الانوثة التى عبدت في كل البلاد، وفي البداية في جنوب العراق (منطقة الاهوار بالتحديد). انها كانت الرمز الانثوي للخليقة والمعبرة عن الخصب. كان اتحادها مع ((دموزي) ـ رمز الذكورة) يعنى عودة الحياة. من اوائل ما يصلنا عن شكل ((عينانا) ـ (عشتار)) كان عبر المزهرية الصخرية من جمدة نصر 3000ق م وفيها نجد ((عينانا)) واقفة وامامها رجل عاري يقدم لها سلة من النذور وخلف ((عينانا)) شعارها حزمتا القصب(الذي يكثر في اهوار العراق). وهذا رمز يصعب فهم مضمونه الا انه يعطينا الاحساس بالانوثة.((عينانا)) لا يختلف شكلها كثيرا عن حامل النذور الا انها ترتدي ملابس طويلة وشعرها طويل كذلك. نستطيع ان نفهم بان ((عينانا)) لم تكن تختلف عن الانسان الاعتيادي وقد منحت شكلا انسانيا بحتا، ولكن رموز الالوهية تحيطها وتبرز اهميتها وتجعلها مختلفة عن الكاهن او ربما المتعبد الذي يقدم لها سلة من الفاكهة. رسم من العراق القديم يمثل خلق الانسان الاول (آدم) بواسطة الالهة(آتوناكي) اما من الناحية الدينية فان دور الانثى كان اساسيا في الاساطير الدينية العراقية. نتوقف قليلا امام قصة الخليقة البابلية( عندما كان في العلى- واسمها البابلي اينوما ايليش). رغم انها اساسا وضعت لتمجد الاله (مردوخ) ولكنها حكت لنا قصة الخليقة. اذ انها تقول ان الازل والاصل هوالماء، حيث لم يكن هناك ارض ولا سماء بل المياه ممثلة في ثلاثة الهة: (ابسو) رمز المياه العذبة، ثم (تعامات) زوجته رمز المياه المالحه، ثم (ممو) شخصية شبه غامضة احيانا تأخذ موقع الاستشارة واحيانا كثيرة توحي بانها الابن. ويعتقد (فراس السواح) بانها تمثل الامواج المتلاطمة او ربما السحاب اوالضباب ولكن الاسم يعنى (خلق قوة الحياة). يلاحظ في كل التاريخ الديني العراقي، تكرار هذا الثلاثي الالهي ، وربما هو سلف فكرة (الروح القدس) الثلاثي، وهو يذكرنا بكل اشكال الثالوث عبر التاريخ من (اللاة وعزة ومناة) العربية الى (برن مرن بر مرين) في مجتمع الحضر( شمال العراق) ، حتى (الاب والابن والروح القدس) في المسيحية، حتىالاسلام ليأخذ صيغة التسميات الثلاثة القدسية: ( الله الرحمن الرحيم). الهة الانوثة (عنانا ـ عشتار) لنقراء جزء من ملحمة الخليقة الاولى هذه: ((عندما في العلا لم يكن للسماء اسم والارض الراسخة في الاسفل لم تكن فد سميت بعد لم يكن هناك سوى ابسوالازلى الذي انجبهم وتعامات- ممو وهي التى ولدتهم جميعا وكانت المياه تمتزج كجسد واحد لم تكن اكواخ القصب قد انضفرت ولم تكن المستنقعات قد ظهرت..)) نستعرض هنا رقية كانت تستعمل عند الولادة وفيها وصف لكيفية خلق الانسان من الطين بواسطة الهة انثى هي (ارورو) عندما تحولت الى مايدعى ب (مامي): ((انت الرحم الاول الازلي انت خالقة البشر اخلقي اذن لوللو ليحمل النير........ ليكن من الطين لتدب فيه الحياة بالدم..)) اخيرا، بعد الحديث عن كل هذه الالهات الانثوية في تاريخ العراق القديم، يمكن التذكير ايضا بدور كاهنات المعبد المقدسات اللواتي كان لهن دور اساسي في الديانة العراقية. من النساء الشهيرات التى وردت اسماؤهن الاميرة (انخيدوانا) ابنة الملك (سرجون الاكدي) التى كانت من الكاهنات، حيث عثر على رقيم طينى يصور هذه الاميرة. مما تجدر الاشارة اليه ان (ام سرجون) كانت كاهنة معبد. هناك قوائم تحتوي على اسماء عديدة لكاهنات وكلهن من بنات الطبقة الحاكمة وهؤولاء الكاهنات من الوجهة الدينية البحتة كن زوجات للأله. |
|
 |
 |
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. {IP: 188.247.72.6} |
3/8/2013 12:07:50 PM |
هناك دلائل تشير أن المرأة السومرية في بداية عصر فجر السلالات كانت تتمتع بمركز اجتماعي مرموق وبقسط وافر من الحرية والاحترام وإنها تشارك الرجل في كثير من المجالات الاقتصادية والدينية . وكان للمرأة دور فعال في قيادة الدولة ومن هذه النساء الأميرة السومرية ((ديم باندا )) زوجة الحاكم السومري ((انيسيتارزي )) حاكم لكش (2384ق.م ) والأميرة ((بارنمتار )) زوجة لوكالاندا والأميرة شاشا زوجة اوروكاجينا حيث قام هولاء النسوة بالإشراف على أدارة وتصريف الأمور التجارية الواسعة النطاق في دويلة لكش ،وقد كانت ((ديم باندا )) تترأس الاحتفالات الدينية التي تقام في كرسو ، وان هولاء النسوة كن يحافظن على مراكزهن المقدسة حتى بعد زوال حكم أزواجهن . ويعطينا التاريخ صورة مشرفة عن الملكة (كوبابا ) التي حكمت على عرش مدينة كيش (2420 ق.م ) وحكمت لمدة 100 عام وأعطت هذه الملكة دور فعال لمملكة كيش وكانت تحظى بشعبية كبيرة من قبل من قبل سكان المملكة لأدارتها الناجحة لسياسة الدولة الداخلية والخارجية. أما في الإمبراطورية الاكدية ومؤسسها الملك سرجون الاكدي (2371_2200 ق.م ) فأيضا كان للمرأة دور فعال في إرساء هذه الإمبراطورية وسبل نجاحها فقد قام الملك الاكدي سرجون ببسط نفوذه على المدن السومرية الشهيرة أور والوركاء بواسطة ابنته الكاهنة (انخدوانا ) التي كانت تتمتع بأساليب دبلوماسية وتفاوضية لقيادة الدولة . ولا ننسى الأميرة السومرية كو _ آبي ( شبعاد ) أميرة أور دورها في الحياة اليومية لمدينة اور. ومن ملكات العراق القديم الملكة ( نقية ) زوجة الملك سنحا ريب والملكة سمير أميس والدة الملك ((أدد فيراري ) الخامس . أم في السلطة القضائية فقد كان للمرأة في العراق القديم كلمتها وبصمتها ودورها الكبير في تلك السلطة هذا اتى من كفأتها في إدارة دكة القضاء فتذكر الألواح المسمارية أن الكاتبة ( عشتار _ اومو ) المرأة التي تولت منصب القضاء في العراق القديم . وكل الذي ذكرناه هو شرح مختصر عن دور المرأة في العراق القديم وكيف كانت ملكة ناجحة وأميرة ناجحة وسياسية ودبلوماسية وسفيرة وكاتبة وقائدة حيث لا يوجد أي تهميش لها ولدورها في بناء الدولة فقد كانت مرشحة ناجحة في كافة المجالات واستطاعة مع الرجل ان تخلق أعظم حضارة شهدتها البشرية في بلاد وادي الرافدين فكانت امرأة تستحق المجد والتقديس ورفع القبعة لها بكل احترام . |
|
 |
 |
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. {IP: 188.247.72.2} |
7/5/2014 6:43:46 PM |
ملكات العراق بين الأسطورة والتاريخ يعد علماء التأريخ الاجتماعي والاقتصادي الحضارات القديمة في وادي الرافدين مجتمعات تشكلت فيها اللبنات الأساس للاستغلال الطبقي ولنشوء السلطة الاستبدادية حيث تتمكن طبقة صغيرة من السيطرة على المجتمع بطريق العنف ثم بتشكيل سلطة يتعاون في تثبيتها الكهنة والملوك الذين يحتكرون وسائل الإنتاج ويحققون ثروات طائلة بطريق أعمال السخرة..وفي منظور ماركس إن أول أشكال السلطة قديماً تعد ائتلافات ثيوقراطية ارستقراطية تنصب نفسها ممثلة للآلهة على الأرض، فتفرض على الجماعات في بيئتها وخارج بيئتها الطاعة والسخرة بالقوة والدعاية، وإن سور الصين العظيم وإهرامات مصر وبرج بابل والمدن الآشورية ماكانت ستشاد لولا العنف وأعمال السخرة..مما جعل الدولة هي المالك الوحيد للأرض والمشاريع الكبرى التي تبنى عليها، وأطلق ماركس على هذا النمط من العلاقة بين السلطة والمجتمع بنمط الإنتاج الآسيوي وفي المرحلة الثانية لهذه العلاقة تتباعد المسافة بين الكهنة والملوك ويلجأ الملوك الى تبرير سلطتهم بطرق مختلفة منها زعمهم أنهم تحدروا من الآلهة وأن الحروب التي يشنونها هي كالمعابد التي يشيدونها ليست سوى تنفيذ لأوامر آلهة (نقلها) اليهم الكهنة او كما في حالة نابونيداس طرأت عليهم في أحلام أوحتها اليهم الآلهة..والمهم في رأي هذا النفر من العلماء أن الممتلكات لم تتضمن الأشياء وحدها، بل البشر الذين يقدمون وقوداً للحروب، ووسائلَ للأنتاج، ، وأن النساء يمثلن الحلقة الأضعف في المجتمعات القديمة حتى عندما يكن كاهنات أو اميرات، فهن، والرأي لهؤلاء المنظرين، يملن بسبب افتقارهن الى القوة، الى المكر والخداع مما ولد نمط شهرزاد التي تحافظ على رأسها بتوظيف عقلها على حد تعبيرهم.. وقد ولد هذا التنظير في شأن المرأة الشرقية نظرة تدوينية تبناها المستشرقون لدوافع آيديولوجية معممين مفردة (الحريم) على تأريخ المرأة الشرقية بأسره..وهم في نظرهم هذا إنما يحاكون علماء التأريخ الاجتماعي والاقتصادي في الذهاب بعيداً في تنظيرهم فيما يخص المرأة الشرقية...والحكم الأقرب الى الاعتدال هو أن النساء يشغلن الزاوية الأعتم في تأريخ الشرق ليس لعدم لعبهن لأي دور بل لتغييب ذكر تلك الأدوار من السجل التأريخي بحكم التقاليد ولهيمنة الرجل ملكاً ومشرعاً وقائداً عسكرياً على المجتمع في العالم القديم بأسره وليس في الشرق او الشرق الأدنى فقط ..إلا أن تلك المرحلة من تأريخ الشرق الأدنى صاحبتها عملية التشكل الحضاري وتطور الفنون والآداب والتشريع وبناء النظم الأجتماعية والاقتصادية والعقيدية وما اليها من مفاهيم أساسية عن الدولة وإدارتها واقتصادها فضلا ًعن الحرب والتجارة والري والزراعة والعلاقات بين الدول والأمم..وكانت المرأة تلعب في كل ذلك دوراً متميزاً.. ويواجه المؤرخ والبحاثة في الحياة الاجتماعية لتلك المرحلة من تأريخ الشرق الأدنى وتأريخ المرأة في العراق بوجه خاص صعوبات هائلة تنبثق من ندرة النصوص التي تؤرخ للحياة الإجتماعية مما يستوجب الاعتماد على الشواهد الآركيولوجية ومقارنتها بالنصوص المسمارية والروايات القديمة..ولابد في كل ذلك من اعتماد المؤرخ على مانطلق عليه بالدرس البلاغي (تعويض المحذوف) او الاستنتاج بطريق تأييد افتراض معين بالرجوع الى قرائن نعتمدها من خارج النص..او من مرحلة تأريخية سابقة او حتى لاحقة قد تصل الى مقارنة (لسانية) لمفردة في الأغلب بقريناتها في الوقت الحاضر، كوننا ورثة المنظومة القيمية والذوقية والحضارية لأسلافنا في هذه المنطقة الحبلى بالتأريخ من العالم..وفي كل الأحوال لابد من الرجوع الى الدراسات الحديثة التي تمثل حاصل تحصيل المجهود البحثي النصي والآثاري والمقارن المعاصر لتشكيل تصور مقارب للحياة الاجتماعية للمرأة في العهود القديمة ..ونحن بمحاولتنا المتواضعة تقديم هذه الصورة ننتهج التقليد هنا والابتكار هناك ريثما تجد افكارنا موطء قدم لها بين بصمات كتاب جلهم من الغرب، كلما هزت أصابع العازف الغربي وتراً ينهض روحنا الشرقية متحدية او ناقدة، ويبعث ايقاعاتها ويغازل عوالمها وأسرارها..ونحن مع كل ذلك، ندرك بأننا أشبه بمغامر يحاول زج ناطحة سحاب بعلبة كبريت..مع ذلك فحريى بنا ونحن أبناء نينوى وكالخو، كيش وبابل، أرابخا وأرباأيلو أن نلقي حجراً في ماء راكد. تميط المدونات الآشورية الصروحية والأرشيفية التي تتناول منجزات الملوك الآشوريين في الألف الأول ق.م. اللثام عن مجتمع يهيمن عليه، في معظم مراحله، الرجال ويديرون الشؤون السياسية والعسكرية والدينية والاقتصادية فيه تاركين الإهتمام بالمنزل والأطفال، والمعابد أحياناً، للنساء اللاتي يشغلن الضمير الغائب في العراق القديم..وبالنتيجة أصبحت المدونات والمسلات والمنحوتات الآشورية، في معظمها، تؤرخ للملوك ومآثرهم العسكرية وتؤكد قوة الأمبراطورية وآيديولوجيتها موحدة بين سلطة الملك وغضب الآلهة وانتصار الآشوريين المحتوم في المعارك..فالدولة الآشورية عسكرية في تكوينها وترتكز على إدامة القوة الضاربة للجيش الآشوري وترسيخ القدرة السوقية (اللوجستية) وتوظيف الحديد في آلآت الهجوم والحصار ودك أسوار المدن المعادية وهدم تحصيناتها. فالحرب هي دين الدولة والقوة العسكرية عمادها..وهذا يفسر جعل آشور بديلا ًلمردوخ رباً للأرباب في الدولة الآشورية، وحتى عشتار نفسها تبناها الآشوريون رمزاً ليس للخصوبة والحب بل للحرب والقتال..فالجيش الآشوري في المصطلح العسكري الحديث جيش نار وحركة..أي جيش هجوم مستمر وليس جيش دفاع وهذا ينعكس بقوة في الفن الآشوري المعبر عن الآيديولوجية القتالية فالجداريات عبارة عن معارك حية والثيران المجنحة تغادر بوابات القصور ليلاً للتحرك على قوائمها الخمسة في المكان أما الإله آشور فيرفرف بعجلته فوق ميادين الوغى حاملا قوسه ونشابه يحمي ظهره نينورتا بحربته الرعدية ثلاثية الرؤوس..فبديهي والحال هذه أن لاتحتل النساء ولأقل المرأة في دولة الحرب هذه سوى هامش ضيق..مع ذلك فإن هذا الهامش لايخلو من أخبار بالطبيعة البطولية للآشوريات وأدوارهن المتميزة في تثبيت أركان الأمبراطورية والمساهمة في الجهد العسكري بطرق متنوعة ..ولاسيما مع إتساع الأمبراطورية الآشورية على عهد سنحايب وابنه وحفيده آسرحدون وآشوربانيبال على التوالي...وهي مرحلة تزايد خلالها تأثير الوجود الآرامي في شؤون الدولة سواءً من خلال التزوج بأميرات آراميات او من خلال توظيف الآراميين في مراكز عديدة في أسفل هرم الإدارة الأمبراطورية ووسطه، او من خلال إتساع الأمبراطورية غرباً وضمها لبابل..مما عزز تدريجياً مكانة مردوخ مجدداً على حساب آشور، وسين على حساب نركال، ونوسكو على حساب نينورتا..وأخيراً سين على حسابهم جميعاً.. وعلى الرغم من عدم معرفتنا بالدلالة الخارجية او النصية الصريحة بطبيعة التنافس على السلطة ضمن الأسر الآشورية المتتابعة منذ أواخرعصر شلمنصر الثالث وحتى عهد أدد نيراري الثالث فسرجون الثاني فابنه سنحاريب الذي اغتيل في طربيشو (شريخان- المصحفة من شريف خان في منطقة الرشيدية في الموصل)، إلاّ أن مشكلة تولية اسرحدون ثم الملكية المزدوجة، نقول على الرغم من اختفاء الأدلة النصية، يمكن الاستدلال بالقرائن على أن تنامي تأثير النساء غير المنظور في شؤون الأمبراطورية، كان واحداً من أعراض المنازعات في البلاط الآشوري وتراجع القوة الضاربة للجيش الآشوري على الرغم من إتساع رقعة الأمبراطورية، من جبال البرز وبحر قزوين شمالاً حتى الخليج العربي جنوبا ومن قبرص غربا حتى السفوح الغربية لزاكروس وبضمنها اجبتانا (همدان)، ولجوء الملوك المتأخرين مجدداً الى الزيجات الدبلوماسية والمعاهدات جنباً الى جنب مع الوسائل العسكرية - كمعاهدة عدم الاعتداء بين اسرحدون وملك عيلام، وتفكير اسرحدون بتزويج إحدى بناته لأحد ملوك كوركوم (مرعش) والمشكلات التي أعقبت تولي آشوربانيبال (668- 627 ق.م.) آخر الملوك الأشوريين الأقوياء الحكم بعيد وفاة أبيه في نينوى كالملكية المزدوجة في بابل ونينوى وتحالف شمش شموكين ملك بابل وشقيق آشوربانيبال مع تومان ملك عيلام وإرسال الأخير رسالة مهينة للملك الآشوري في نينوى تمخضت عن سحق عيلام وتعليق رأس ملكها تومان في عرائش العنب في حدائق تلقوينجق..ويبدو أن التأريخ يعيد نفسه فالمشكلات التي حاقت بالخلافة العباسية سبقتها قرائن مماثلة في أواخر العصر الآشوري الحديث فقد استخدم الملوك الآشوريين المتأخرين جنداً ميديين في بلاطهم تذكرنا باستقدام العباسيين للفرس ومن بعدهم الترك جنداً في دار الخلافة..فضلا ً عن توظيف الآراميين في الإدارة الآشورية ولاسيما في المناطق الشرقية والأناضول..وبينما لعب الآراميون دوراً بناءً، لاسيما النساء الآراميات اللاتي أصبحن ملكات في نينوى والنمرود، كون الآراميون ينتمون لأرومة حضارية وإثنية مماثلة للآشوريين، كان الميديون طابوراً خامسا في البلاط الآشوري..بدليل طبيعة التحالفات التي أدت الى تخريب نينوى وسقوط الأمبراطورية الآشورية..وسنبين لاحقا أن (ادة كوبي) أم نبونيداس ملك بابل كانت قد احتفظت بذاكرة قرن كامل من التحولات ومن رحيل الآلهة وعودتها وتغيرات السلطة تبعاً لذلك..في سياق دعائها الآلهة لمصالحة بابل ونينوى، وإرجاع السلطة لأبناء العراق مجدداً بعد أن انتزعت منهم. تناولت دراسات عديدة دور المرأة في العراق القديم ، وأكثر هذه الدراسات أهمية أطروحة دكتوراه قدمتها شيري مكريكر في جامعة كاليفورنيا عام 2003 عنوانها (النساء في عالم العصر الآشوري الحديث)، وهي أطروحة تناولت سميراميس ونقية زكوتو فضلاً عن ملكات النمرود من خلال مكتشفات مقبرة القصر الشمالي الغربي في النمرود والمنحوتات الصروحية، واعتمدت منهجاً وصفياً وتركزت مصادرها على أدبيات واسعة حديثة في معظمها ، ثم أطروحة الدكتوراه التي قدمتها سارة شمبرلين ميلفل في جامعة ييل وعنوانها (دور نقية زكوتو في السياسة السرجونية)، ودراستها اللاحقة الرائدة المعنونة (النساء الملكيات في العصر الآشوري الحديث والهوية الذكرية: المكانة بصفتها أداة اجتماعية) نشرت في مجلة الجمعية الشرقية الأميركية، والترجمة الإنكليزية لمسلتي نابونيداس وامه أدة كوبي اللتان عثر عليهما في جامع أولو في حران، التي نشرتها مجلة الدراسات الأناضولية عام 1958 وذلك لتحليل النص من منظور اثني وحضاري للتعرف على دور أم نبونيداس بصفتها إحدى رائدات وحدة العراق وسيادة أبنائه على أرضه قديماً من منظورنا فقط ، ودراسة جورجيو بوتشلاتي المعنونة (القصر الملكي في اوركيش وإبنة نرام- سين) في مجلة الحوليات الآركيولوجية السورية العربية المنشورة عام 2001 وهي دراسة ميدانية تلقي ضوءًا جانبياً على تارآم أكادا ابنة حفيد سرجون الأول..ونعتمد فيها على إشارات في تحليلنا لعناصر فنية نفترض أن الملكة العراقية كانت هي من نقلها الى أوركيش (تل موزان) في شمالي سورية، وأحدثت تغييراً في الطابع الديني والسياسي والفني في العاصمة الحورية.. وهذا ما لم يقله أي من البحاثة سابقاً أضف الى ذلك محاضر المؤتمر المعنون (ضوء جديد على النمرود) الذي عقد في لندن عام 2002 ونشرعام 2008 بشكل كتاب تناولت المقابر الملكية في قصر آشورناصربال الثاني المكتشفة عامي 1989-1990..هذا فضلا ً عن المراجع الألكترونية التي لاتحصى.. وتبقى الصعوبة التي تواجه البحاثة كلهم قائمة هنا أيضاً..وهي نزرة المصادر التي تتناول المرأة في العصور القديمة وشحتها.. وتتمثل مبادرتنا في ربط الشواهد والدلالات النصية والصورية إحداها بالأخرى وتوظيف المعالجات المنطقية الممكنة كالاستقراء والاستدلال والمقارنة وصولاً الى تكوين صورة عن شخصية المرأة في العراق القديم ممثلاً لها بثلاث ملكات وملكة - كاهنة حاولنا جاهدين لملمة آثارهن ومآثرهن مستعينين على وفق الضرورة على النادر والخبيء في بطون الكتب وثنايا المصادر، وهذه الملكات وفقاً لتسلسلهن التأريخي هن تارآم أكادا وشمورامات (سميراميس) ونقية زكوتو وأخيراً أدة كوبي أم ملك بابل وكاهنة حران: تارآم أكادا: يقع تأثير تارآم أكادا ابنة نرام سين في سياق امتداد النفوذ الأكدي السياسي والحضاري في حوضي الخابور والفرات والأناضول..إذ نقرأ في أحد نصوص ايبلا الآتي (سرجون الملك ركع في توتول - تل البيعة- للإله داكان الذي وهبه الأراضي العليا ماري ويارموتي وايبلا وحتى غابة السدر وجبل الفضة)، ويقصد سرجون بجبل الفضة طوروس وغابة السدر في سفوح جبل أمانوس وليست نظيرتها في لبنان..وجاء تحرك سرجون الأكدي شمالا ً بحكم الضرورة لأن جنوب العراق يفتقر الى المعادن والأخشاب والخيول والحجارة..مما جعل السيطرة على حوض الخابور والأناضول مطلباً حيوياً ليس للأكديين ومن بعدهم الآشوريين فقط ، بل من قبل المصريين والسومريين أيضاً..غير أن هذه المنطقة تخللتها دويلات مدن عديدة تتأرجح بين القوة والضعف كأيبلا او مدينة الحجارة البيضاء (تل مرديخ) المنافسة لأكد وايمار وماري وأوركيش.. واعتمد الأكديون في توغلهم على الغزو والدبلوماسية .. فعمد نرام سين الى غزو الكنعانيين في أيبلا وحرق مدينتهم ومعابدهم وإنهاء وجودهم في شمالي سورية أما اوركيش الكنعانية (بالقرب من القامشلي) أصلاً فقد تجاوب ملكها مع ملوك أكد وقبل بسيادتهم مفضلاً التعاون معهم على حرب محسومة النتيجة لاسيما لأن اوركيش دويلة مدينة لم يتجاوز نفوذها السياسي مشارفها وأسوارها ولأنها محاطة بدويلات مدن يديرها الأكديون مباشرة كناجار (تل براك) وسخنا (تل ليلان) شوبات انليل عاصمة شمشي أدد الأول لاحقاً، ومدن أخرى ضمن شبكة تجارية واسعة تربط بين مدن القلب الرافدي بابل وكيش ولاكاش وأور ونيبور واكد وشوروباخ (اوروك) بماري وتوتول وأيمار وقطنا ومدن الساحل الفينيقي غرباً والأناضول شمالاً..وبدلاً من تعيين حاكم أكدي على اوركيش، عمد نرام سين الى تزويج إبنته تارآم اكادا للأندان حاكم اوركيش ربما كان الأندان توبكيش (الثاني؟) او تيش آكال..ويبدو من التنقيبات في اوركيش أن ترآم أكادا كان قد صاحبها عدد من الموظفين الأكديين مهمتهم الأشراف على المنتوج الزراعي وتأمين الطريق التجاري بين حران وكاركميش والمدن السورية والأناضولية الأخرى..ويتضح من مقارنة طبعات الأختام الأسطوانية الأكدية مع مثيلاتها في أوركيش وكانيش (كول تبة) تماثل في الطراز الفني وفي المضمون لاسيما في الأختام التي تمثل إله الصواعق تيشوب وهو نسخة من ادد الرافدي ورجال برؤوس ثيران أو ثيران برؤوس رجال ربما كانت الأساس في الترميز للإله آشوربالثور المجنح عند الآشوريين فيما بعد. ويرجح أن تفضيل نرام سين الإبقاء على استقلال اوركيش الصوري كان بسبب علاقات الملوك الحوريين فيها مع القبائل الجبلية في طوروس، وقيام الأخيرة بأعمال التنجيم وشحن الفضة والخيول والقصدير الضروري لعمل البرونز الى بلاد الرافدين..مع ذلك فإن تحولاً واضحاً في الرموز الدينية وفي الفن والإدارة حدث في اوركيش بسبب تأثير ملكتها الأكدية تارآم أكادا..حيث تصور لنا أكثر من ألف طبعة لأكثر من 100 ختم اسطواني منها 150 ختماً يحتوي على كتابات مسمارية متروكة على مداخل الأبواب والمخازن نماذج من الفن الأكدي كمشاهد القتال والأسود والثيران فضلا ً عن النجمة الأكدية الثمانية والخوذة ذات القرنين التي نطالعها في مسلة نرام سين، وفي ختم تارآم اكادا نطالع مشهداً مماثلاً لمشهد كلكامش وهو يقاتل أسداً غير أن ختم تارآم اكادا يمثل رجلاً بجسم ثور يقاتل أسداً من جانب ورجلاً عارياً يقاتل جاموساً من جانب آخر وبين الشكلين كتابات أكدية. ويماثل ختم اروين اتال ختم تارآم اكادا..كما عثرعلى ختم الحاكم الأكدي (ايشاربلي) يمثله جالساً وأمامه مهر يقفز وخلفه حارس يقود امرأة تحمل غزالا ً والى جانبها ثور مناخ (بضم الميم)..كما تم استظهار قسم مخصص للكتبة وعدد من الرُقم المدونة باللغة الأكدية تتناول مواضيع إدارية ونصوص تعليمية ...ويتبين من وجود ختم الملكة على الأبواب والمخازن أنها كانت تحت الإشراف المباشر لترآم أكادا او أنها اضطلعت بإدارة القصر..ويبدو من سيادة التصوير الميثولوجي الرافدي في الأختام أن تارآم أكادا قد غيرت او استقدمت هذا الفن الأكدي أصلاً في ايمار وانها انشأت مدرسة لتعليم الحساب فيها..وفي المصادر ان نرام سين كان يعتمد على بناته في إدارة المدن الرافدية والإشراف على المعبد الرئيسي في المدن المهمة فقد عين ابنته (أينمينانا) كاهنة على أور، و(توتا نبشوم) كاهنة على نيبور و(شومهانيتا-آسي) كاهنة على سيبار (تل ابوحبة شمالي بابل) وهي اكثر مدن الرافدين في الألف الثالث ق.م. أهمية..ولكن تارآم اكادا كانت ملكة لأوركيش يساعدها حاكم أكدي على الرغم من زواجها بأمير(اندان) حوري..كما أظهرت التنقيبات في اوركيش قصراً ملكياً يحاكي طراز عمارته القصور الأكدية في ناجار (تل براك) تحمل قطع اللبن التي شيد منها اسم نرام سين جنوبي أوركيش وأماكن أخرى..ويحفل المعبد الحوري في اوركيش الى جانب تيشوب وكوماربي بآلهة عراقية بابلية وأكدية كعشتار وأيا وشمس ونركال..ويعود تأسيس معبد نركال الى عهد تيش آتال المتزامن مع الملكة الأكدية مما يرجح أن بناء هذا المعبد جاء نزولا ً عند إرادة تارآم أكادا..كما يظهر من قراءة أحد زوايا تأسيس المعبد في قاعدة لتمثال اسد برونزي وضع لحراسة المعبد الصيغة عينها التي يدونها ملوك العراق في أركان وأسس قصورهم ومعابدهم إذ نقرأ على اللوح في قاعدة الأسد: (تيش آتال ملك أوركيش قد بنى معبدا للأله نركال..فليحافظ الإله نوباداك على هذا المعبد. وعسى نوباداك أن يدمر كل من يسعى في تخريبه، وعسى ألا يستجيب ربه لصلواته. وعسى سيدة ناجار، وإله الشمس شيميكا، وإله العواصف يلعن 10.000 لعنة أي شخص يسعى في خرابه)، ويقصد تيش آتال بسيدة ناجار الربة عشتار التي انتشرت عبادتها في الشرق الأدنى قبل انتقال الحوريين من أرض فلسطين (كنعان في أواخر الألف الرابع أو أوائل الألف الثالث) الى شمالي سورية..أما نابادوك، فلعله داكان (دجن) إله الخصب والصواعق الرعدية السامي الذي انتشرت عبادته في مدن الساحل الفينيقية وشمالي سورية لاسيما توتول (تل البيعة) وايبلا (تل مرديخ). وكان الإله دجن يشغل مكانة خاصة لدى سرجون الأول الذي قدم له الأضاحي في طريق حملته عبر الفرات في ترقا (تل العشارة)، سيرقو الآشورية وتوتول.. ويتجلى من قراءة دقيقة لمجمل الدلائل الآركيولوجية والنصية والمقارنة الدايكرونية والجغرافية لأوركيش وعصرها أن تارآم اكادا لعبت دوراً مهماً في عدد من المجالات شملت الفن والأقتصاد والإدارة والمعتقدات..فالرُقم الطينية التعليمية التي عثر عليها في قسم من القصر مخصص للكتبة الهدف منها تعليم الأكدية للطلاب، أما تختيم أبواب المخازن والغرف فيشير الى نشاط إداري واقتصادي ..ويتضح من وجود حاكم آشوري الى جانب الملكة أن مهمة الوجود الأكدي في اوركيش تشمل تنظيم التجارة مع بلاد الرافدين والأناضول كتجارة الخيول والأخشاب والمعادن والعربات وبعض المنتجات الزراعية..ولعل أبرز تأثير لوجود الملكة الأكدية نقل منظومة المعتقدات والفنون التشكيلية رفيعة الطراز الى شمالي سورية هذا فضلا ًعن أن أية مقارنة بين تمثال عشتار الطيني بأسد أوركيش ثم بالأختام الأسطوانية ستوضح بما لاغبار عليه أن تطور الفن في أوركيش يدين لتارآم اكادا الملكة الأكدية في شمالي سورية... شمورامات (سميراميس): يتداخل في شخصية سميراميس عدد من الروايات التأريخية والأساطير القديمة التي خلقت كياناً افتراضياً لاعلاقة له بسميراميس التأريخية. وينبثق معظم التصوير الأسطوري للملكة الآشورية من الروايات اليونانية لهيرودوتوس وامانيوس مارسيلينوس وديوديروس سيكيلوس الذين اعتمدوا في رواياتهم على جاستياس الطبيب اليوناني للملك الفارسي احشورش الأول. فسميراميس الأسطورة ولدت من حورية ماء في عسقلان على الساحل السوري وصياد وإن أمها هجرتها وانتحرت غرقاً عند ولادتها..وكبرت هي لتتزوج من قائد لنينوس الذي شيد على وفق المصادر اليونانية نينوى، وإن نينوس أعجب بها وهي تقاتل الى جانب زوجها في بختياريا (شمالي بلاد فارس) وإنه تزوجها بعد انتحار زوجها، وإنها أنجبت له نينياس ثم جرح نينوس في معركة في آسيا، فعمدت سميراميس الى إخفاء موته وواصلت غزوها لآسيا ثم ضمت مصر وآثيوبيا الى مملكتها..فالأسطورة تبدأ برواية أشبه بالف ليلة وليلة، لتنتقل الى رواية تذكرنا بزواج النبي داوود من ابيجال زوجة أحد قادته، ثم برواية أشبه برواية زنوبية ملكة تدمر المماثلة في بعض جوانبها لرواية شجرة الدر. والحقيقة التأريخية وراء النص أن الآشوريين قاموا بغزو بختياريا وتوغلوا في عمق زاكروس، وأنهم ضموا مصر على عهد اسرحدون الى امبراطوريتهم، كما أن سميراميس التاريخية حاربت الى جانب ابنها أدد نيراري الثالث في كموح (سمساط) وليس في بلاد فارس كما في الأسطورة..هذا فضلاً عن كون نينوس شخصية أسطورية لاوجود لها في التأريخ. وكما تعزا صروح قديمة الى الأسكندر المقدوني، يعزو هيرودوتوس الزقاق الصناعي الذي يمر به الفرات على ضفتي بابل اليها، وإن بوابة الجنائن المعلقة في بابل يطلق عليها بوابة سميراميس..ويطلق اسمها على حصن شلمنصر (قلعة الروم) في هالفتي (غربي بيريجيك) في تركيا، وعلى مدينة على بحيرة وإن هي (شميراماكيرد)، وكذلك على قناة حفرها مانوا ملك اورارتو وغيرها..وفي رواية إنها شيدت سور بابل وإنها أول من ابتكر حزام العفة وخصي الشباب واستخدامهم في البلاط والجيش..وحقيقة ذلك أن سميراميس التأريخية عاشت في عصر يستخدم فيه الخصيان في البلاط الآشوري وأن حفيدها تكلاثبليزر الثالث أعظم ملوك آشور اعتمد على الخصيان في إدارة المقاطعات الآشورية في أنحاء الأمبراطورية، وفي المصادر إن الحكيم احيقار والنبي دانيال كانا خصيين أيضاً..وترتبط سميراميس الأسطورية بالأسماك والحمائم، فقد عثر في معبد بمبيجا (ممبج او منبج السورية) الذي بنته ـ على وفق الروايات ـ سميراميس، على تمثال ذهبي يمثلها وعلى جبينها حمامة، أما ربط اسمها بحورية البحر فيأتي من تكريس تمثال لحورية البحر في مدخل معبد نبو في كالخو (النمرود) لأبنها أدد نيراري الثالث ..وتتعدد الروايات حول سميراميس الأسطورية إلا أن مايهمنا هنا هو سميراميس- شمورامات بمعنى (السماء العالية) التأريخية زوجة شمشي أدد الخامس ابن شلمنصر الثالث الذي بدأ حكمه بثورة أخيه ومعه 27 مدينة وبضمنها نينوى..وهي ثورة استمرت 6 سنوات وألحقت أضراراً كبيرة بالأمبراطورية..ولا يؤثر الكثير عن شمشي أدد الخامس سوى حروبه مع البابليين وقد ورد في مسلته المحفوظة في المتحف البريطاني أنه زوج شمورامات..ويبدو أنه تزوجها في أثناء حكم أبيه شلمنصر الثالث وأنها كانت الملكة الفعلية للأمبراطورية بعد وفاة زوجها لثلاث سنوات 811- 808، يساعدها القائد العام (الترتانو) شمشي - أيلو حاكم تل بارسيب والولايات الغربية.. ومرة أخرى نستعين بالقواعد التحويلية التوليدية في مجال التأريخ القديم للتوصل الى تصور واضح وتصوير دقيق قدر الممكن لدور الملكة العراقية المتميزة شمورامات..وهنا لابد من مقارنة ثوابت الدولة الآشورية بالمتغيرات ومن هذه الثوابت عدم ورود اسم ملكة في مسلة آشورية تؤرخ لمعركة وتكريس المسلات الملكية في الأمبراطورية الآشورية للرجال تحديداً دون النساء..وتلكما حقيقتان مشهودتان في تأريخ العراق القديم تعززهما بديهية كون المجتمع العراقي عموما وحتى الوقت الحاضر يميل الى هيمنة الذكر على الأنثى واحتكار الذكر للتأريخ ولتدوين التأريخ على الرغم من وجود إناث ربات بقوة الصاعقة وعنف القدر كعشتار وأنات ونينليل واينانا ونانا وغولا وغيرهن ووجود إناث ملكات موضوع مقالنا هذا.. غير أن هاته الإلهات وفدن من بابل وسومر..وهما حضارتان أكثر ميلاً الى الطبيعة والخصب والأنوثة أزاء الآلهة السامية الأكدية والآشورية المتخصصة بالحرب والعنف والقتال..أي سومر وبابل أزاء نينوى وكالخو..جنوب العراق أزاء شماله و الفن أزاء الحرب..ونعود من استطرادنا الى المتغيرين في حالة شمورامات فالملكة الآشورية يبدو أنها خرقت التقليدين الثابتين إذ نطالع اسمها الى جانب اسم ابنها أدد نيراري الثالث في مسلة عثر عليها في بازارجيك شرقي مرعش التركية..وهي مسلة وضعت أصلاً بأمر من الملكة الآشورية او ابنها أدد نيراري الثالث لتعليم الحدود بين كموح (سمساط) وكوركوم (مرعش). وكانت الملكة قد قادت بصحبة ابنها حملة لنجدة ملك كموح (شوبيلوليوما) حليف الآشوريين ودويلته التابعة للتاج الآشوري من تحالف يقوده (أتار شمخي) ملك ارباد وانضم اليه ملك كوركوم..فانتصر الآشوريون بقيادة الملكة وابنها، ولضمان أمن حليفتهم كموح عمداً الى وضع نصب صخرية لتعليم الحدود (تخومو) بين المملكتين ومن ضمنها المسلة التي ورد فيها: (صخرة حدود ادد نيراري ملك بلاد آشور وشمورامات سيدة القصر امرأة شمشي أدد ملك بلاد آشور وأم ادد نيراري ملك بلاد آشور وزوجة إبن شلمنصر الثالث ملك الجهات الأربع ملك بلاد آشور..عندما طلب شوبيلوليوما ملك الكوموخيين من أدد نيراري وشمورامات سيدة القصر عبور الفرات، خضت معركة طاحنة معهم)..نجد أن المتحدث بصيغة الشخص الأول غير محدد، مع ذلك فمن المؤكد أن سميراميس قد خاضت المعركة الى جانب ابنها ويرجح أنها هي من اقترح تعليم الحدود بين كوركوم وكموح لضمان عدم نشوب قتال بين المملكتين بعد عودتهما الى كالخو ونينوى..ويتمثل المنجز الآخر للملكة شمورامات في كالخو العاصمة العسكرية لملوك آشور فقد عثر على تمثال لنبو، ابن مردوخ وإله الكتبة وحارس الواح القدر، كرسه حاكم كالخو (بعل تراسي ايلوما) لملك بلاد آشور ادد نيراري ولشمورامات سيدة القصر ..ويتكرر التكريس نفسه في تمثال مماثل عثر عليه في آشور (قلعة الشرقاط)..يتضح من ورود اسم الملكة الى جانب اسم ابنها، وتلك ظاهرة فريدة إن لم تكن غريبة في التأريخ الآشوري، أنها لعبت دورا بالغ الأهمية على عهد ابنها ادد نيراري الثالث إذ يعزى بناء معبد نبو 798 ق.م. في كالخو اليها..ولعل الإهتمام بنبو البابلي على عهد أدد نيراري الثالث إذ يظهر بصفته ربا للحكمة والكتابة والفنون، كونه يرمز الى الحياة الثقافية لبابل وريثة سومر ومهاد المعتقدات الدينية على خلاف آشور، وريثة أكد، المولعة بالحرب يعود الى توجيهاتها..ولعل في ختام الكتابة المدونة على تمثال نبو (على كل من يأتي فيما بعد أن يضع ثقته بنبو وأن لايثق بأي إله آخر) مايشير الى تحول ايديولوجي في البلاط الآشوري انعكس على أربعة قرون من الاسترخاء النسبي في الإدارة الآشورية لم يبترها إلا مجيء تكلاثبليزرالثالث الذي أعاد الى الحرب عرباتها وانصالها وأولوياتها. وفي مطلع القرن الماضي عثر على صفين من المسلات بين السور الداخلي والسور الخارجي لمدينة آشور، تمثل المصفوفة الأولى موظفين آشوريين وتمثل المصفوفة الثانية ملوكاً آشوريين وثلاث ملكات إحداها لشمورامات (سميراميس) ويبلغ طول مسلة شمورامات الرخامية ثلاثة امتار بيضية الشكل في اعلاها ومدون عليها في المسمارية النص الآتي: (صرح شمورامات، امرأة قصر شمشي ادد، ملك الكون، ملك بلاد آشور، أم أدد نيراري، زوجة ابن شلمنصر ملك الجهات الأربع)، وعلى الرغم من عدم إلقاء مايكفي من الضوء في هذا النص على حياة سميراميس فإن مجرد وجود مسلتها الى جانب مسلات الملوك يؤكد أنها لعبت دوراً غير عادي في أثناء حياة ابنها ولربما زوجها أيضاً ويبدو أنها أسهمت في تثبيت السلطة الآشورية في سلالتها على الرغم من تنامي الدور السياسي لحاكم الغرب القوي قائد الجيش الآشوري شمشي - أيلو. نقية - زكوتو: نقية هو الاسم الآرامي لزكوتو الأسم الآشوري لها و يترجم اسم نقية بمعنى (النقاء)..ونقية اسم عربي أيضاً مايزال يستخدم بالمعنى نفسه صفة ايجابية تطلق على أشياء عديدة ..كما يحمل الاسم الآشوري (زكوتو) المعنى نفسه إذ مايزال موجوداً في التزكية وزكية وزاكي بمعنى طيب وطيبة والزكاة بمعنى صفوة الشيء ..ومهما يكن الاسم، فما يهمنا في موضوعنا منه إنه يؤكد أن نقية امرأة آرامية..تزوجها سنحاريب خلال ولايته للعهد وأنها لعبت دوراً يرقى الى دور سميراميس في توجيه الحوادث في الأمبراطورية الآشورية..وفي شمالي نينوى او بالأحرى في شماليها الغربي حيث معبد نركال والى جانبه قصر ولي العهد في طربيشو (شريخان) وحيث كانت نقية تقيم مع زوجها سنحاريب على عهد أبيه سرجون الثاني، وربما في أثناء ولاية عهد ابنها أسرحدون قبل اغتيال سنحاريب ايضا..لأن الأرجح أن القصر منقطع النظير في الزاوية الجنوبية الغربية لتلقوينجق والمجاور لمجرى دجلة قديماً حيث يمتد الشارع المؤدي لجامعة الموصل بعد جسر السويس حالياً، كانت تقيم فيه ضرتها زوجة سنحاريب الثانية (تاشميتوم شارات) بدليل نص سنحاريب: (ولزوجتي الملكة تاشميتوم شارات، زوجتي الحبيبة التي حبتها الآلهة بهيئة هي الأجمل بين النساء أفردت قصرا بنيته من الحب والبهجة والمسرة، وبإرادة آشور سيد الآلهة والملكة عشتار عسى أن نعيش حياة طويلة في هذا القصر وننعم بالسعادة الكاملة)..غير أن لرياح التأريخ إتجاهات لاترومها إرادات الملوك، فقد عزل سنحاريب ابنه الأكبر (اردا موليسي) من زوجته تاشميتوم شارات عن ولاية العرش، ليعين بدلاً منه ابنه الأصغر من نقية زكوتو اسرحدون، ويرسل الأخير الى المقاطعات الغربية لضمان سلامته. مما تسبب بغضب ولي العهد وثورته على أبيه واغتياله مع أخ (أخو- في الآشورية أيضاً) له من ابيهما سنحاريب في اثناء عبادته في معبد طربيشو..ويبدو أن نقية كانت قد صاحبت ابنها الى المقاطعات الغربية وربما تمكنت من تجنيد المساعدة له من أخواله الآراميين فعاد الى نينوى وتمكن من دحر التمرد وتسلم السلطة على الامبراطورية فهرب أردا موليسي الى اورارتا (أرمينيا) العدو التقليدي للأمبراطورية ألآشورية...وكان تسلم اسرحدون لمقاليد السلطة بداية تحول كبير في إتجاه ما نتعارف على تسميته في العصر الحديث بالدولة البوليسية..فقد دشن حكمه بإعدام المتآمرين وخصومه السياسيين، وأعدم المسؤولين عن الأمن في نينوى وكالخو واستبدلهم بجهاز أمني جديد..فقد بدأ اسرحدون حكمه بالشك وانعدام الثقة تماماً حتى بأفراد أسرته، بما يمكن أن نطلق عليه بهاجس المؤامرة فكان يستخدم العرافين والكهنة بالتنبوء وأخباره مسبقاً بكل من يخفي نوايا لإيذائه او الإطاحة به حتى من بين أعضاء أسرته نفسها..وشجعه في ذلك حالته الصحية المتدهورة فقد أصيب بمرض عجز العرافون والكهنة وطردة الأرواح الشريرة عن علاجه او تشخيصه..وفي كل ذلك لم تكن أمه نقية غائبة ففضلاً عنن دورها في تنصيبه ولياً للعرش بدلا ً من أخيه الأكبر على رأي عالم الآشوريات (سيمو بارابولا)، كانت تتلقى الرسائل من القادة والموظفين ويرجح أنها كانت ترد عليها وتوجه الأوامر للقادة بدلاً من ابنها..كما كانت تدير الممتلكات الخاصة و تخصص الأموال لبناء المعابد والقصور وتشرف عليها، وبديهي أنها ومنذ بداية حكم ابنها كانت تشارك في القرارات العسكرية فهي كما وصفها طارد الأرواح (مردوخ شكين شومي): (إنها بأقتدار آدابا وكلمتها نهائية، فما تباركه مبارك وماتلعنه لعين)..ولعل غزو مصر وضمها الى الامبراطورية، العمل الذي ينسب الى سميراميس، كان قام به اسرحدون بمشورة أمه نقية، ولأسباب نجهلها. كما نجهل سبب حظوتها الكبيرة لدى سنحاريب الذي خصص لها بعيد تسمية اسرحدون ولياً للعرش أرضاً معفوة من الضريبة هي ارض مدينة شبو (ربما شبانيبا- تل بلو الكائنة مقابل بعشيقة) مسمياً إياها في أمر التمليك (أم ولي العهد)، كما كان لها حصة من الإتاوات والذهب والثياب. وقد عثر على ختمين اسطوانيين في نينوى يمثلانها واقفة خلف الملك..كما عثر على منحوتة برونزية تمثلها واقفة وراء ابنها أسرحدون..كما توجد تماثيل لها في أماكن عامة في معبد نبو في كالخو وآخران في آشور وحران..وكان أحد اساليب تأكيد السلطة القيام بمشاريع بناء واسعة وتخليد اسم الملك والآلهة عليها بالكتابات النذورية والتأريخية، وهو امتياز يحتكره الملوك وحدهم، مما يجعل بناء نقية قصرا لأبنها (في أرض خالية من العاصمة السياسية نينوى وراء معبدي سين وشمش) عملا ً غير مسبوق في بلاد آشور بل وعلى غرار آشورناصربال الثاني، قامت بتقديم الأضاحي للآلهة وإقامة المآدب احتفالا بأكماله. ولكنها على الرغم من تكريسها القصر لابنها كانت هي من أقام فيه.. ولعل أهم منجزات نقية يكمن في ما نطلق عليه في الوقت الحاضر (صناعة الملوك) ليس بيولوجياً بل سياسياً : فقد تمكنت، على رأي العديد من البحاثة، من التأثير على سنحاريب بجعله يغير ولاية العرش من ابنه الأكبر الى ابنها اسرحدون، وعملت خلال سنوات حكم ابنها على استتباب الأمن في الأمبراطورية ..والأرجح أن السلام مع بابل وإعادة أعمارها ثم عقد إتفاقية سلم مع عيلام كان بتدبير منها..وربما كان غزو مصر وضمها الى الأمبراطورية هو الآخر بتخطيط منها أيضاً..وهنا نوظف علم الدلالة اللسانية مجدداً فنقية آرامية وقد شهدت العقود الأخيرة من حياة الأمبراطورية الاشورية تداخلاً حضارياً ولسانياً وسياسياً بين الآراميين والآشوريين..وكانت خطوتها المهمة الثانية أنها عملت مجدداً على التدخل في ولاية العهد قبيل وفاة ابنها أسرحدون لتفادي تكرارحدوث العاصفة التي هزت أركان الأمبراطورية وتسببت بمقتل سنحاريب..فوضعت وثيقتها الشهيرة باسمها الآشوري (وثيقة زكوتو) ونصت فيها على اقتسام الحكم بين حفيدها آشوربانيبال وأخيه (شمش- شمو- كين) فخصصت الامبراطورية بعاصمتها نينوى لآشوربانيبال وبابل لأخيه شمش شمو كين. ونلاحظ من نص المعاهدة أن المتعهد بصيانتها ليس الملك بل الملكة الأم (زكوتو لأن أم آشوربانيبال كانت قد ماتت منذ سنوات) وبنودها تنطبق على آشوربانيبال وحده بتسميته ملكاً بينما لاتخاطب شمش شمو كين بالاسم نفسه وتضعه ضمن الأطراف التي فرضت عليها المعاهدة..ويبدو أن المعاهدة صيغت بعيد وصول أنباء وفاة اسرحدون وأنها نفذت في ليلة تتويج آشوربانيبال بعد شهر من وفاة أبيه..ويبدو أن نقية - زكوتو قد لعبت الدور نفسه الذي لعبته سميراميس قبلها..ولابد أن أضيف أيضاً الى ماسبق أن تبدلاً تدريجياً في هرمية الآلهة كان يحدث في القرن الأخير من عمر الأمبراطورية يماثل تغليب آشور على مردوخ على عهد شلمنصر الأول وتكلاثبليزر الأول، وهذه المرة بالتأكيد على سين المقيم في حران ..وهذا ما سنتابعه مع أدة كوبي الأميرة الآشورية وأم نبونيداس. أدة كوبي: إن المتابع لحوادث هذه المرحلة من تأريخ العراق وإعادة تمثيلها وتدوينها من خلال النشاط البحثي والتأويلي، سيكتشف محاولات المؤرخين المعاصرين اليهود ولأسباب آيديولوجية التأكيد على دور إسرائيل وملوكها الأفتراضيين في توجيه الحوادث اوعزو الأنجازات في الشرق الأدنى القديم..ومن ذلك توشيج التأريخ الديني والأسطوري بالتاريخ الفعلي الموثق بالشواهد النصية والآركيولوجية، او بطرح تأويلات افتراضية ولسانية في أغلبها بهدف تصوير خارطة العالم القديم على نحو ينسجم مع نظرية القبائل اليهودية في الأناضول وشمالي العراق وسورية على أنهم أسرى هجرهم (بتشديد الجيم) الاشوريون الى تلك المناطق، بهدف التمويه الأثني، او بطريق استخدام عبارات الترجيح فيما يتعلق بالتوسع الآشوري في قلب الأناضول وزاكروس والساحل الفينيقي ووصف التحالفات ونتائج المجابهات العسكرية بين الآشوريين وخصومهم..وقد يلجأ هؤلاء المؤرخون الى مقارنة عمارة معبد كمعبد عين دارة ببناية في القدس تعزى الى انبياء اسرائيل بهدف توصيل نفوذ دولتهم شمالاً او شرقاً او الى افتراض أسماء آرامية بأنها أسماء عبرية كنقية مثلاً ، وهم في كل هذه المحاولات يعملون جاهدين لمد جذورهم في تراب تأريخنا..ومنهم من يعمد الى تمويه التأريخ الحضاري بزجه بالتأريخ السياسي فيضع فواصل بين الأكديين والآشوريين والبابليين والعرب باعتبارهم حضارات مختلفة وليسوا أمماً ودولاً تنتسب لحضارة واحدة، على ذلك نرى أن أدة كوبي تقدم نموذجاً فريداً للوحدة الحضارية في وادي الرافدين..وأدة كوبي أميرة آشورية زوجها امير بابلي مرموق تميز على عهد نبوخذنصر الثاني اسمه نبو بلاستو اقبي ( وربما تلفظ أخبي اوأكبي) كان والده نبوبلات اقبي حاكماً على حران وأمه (شوما دامقا) كاهنة رئيسة في الدولة الآشورية..عاصرت عدداً من الملوك الآشوريين والملوك الكلديين وآخرهم ابنها نبونيداس الذي تزوج ابنة نبوخذنصرالثاني من زوجته الميدية..مما يسر له تسنم العرش البابلي..ولابد لاستبار دور أدة كوبي من تتبع التحول في آيديولوجية الدولة الكلدية ومتابعة هذا التحول خلال العقود الأخيرة من عمر الأمبراطورية الآشورية..وقد تمثل هذا التغيير بالانتقال التدريجي من عبادة مردوخ ومركزية آشور الى عبادات أور وسومر القديمة التي تتمحور على آلهة القمر (سين) ونوسكو وربة الخصب والمرأة والقتال عشتار. وهو تحول صاحبه تدريجيا ً محاولة الكلديين التخلص من النفوذ الميدي، وإحياء التطلعات السيادية للآشوريين كم يتجلى ذلك في نبوخذنصر الثاني ونبونيداس..ويبدو أن النبلاء ورجال الدين الآشوريين والموظفين الآراميين استمروا في مراكزهم لاسيما في الأناضول والغرب على الرغم من المجازر التي أصابت عواصم القلب الآشوري..وفي رأينا أن أنشقاقاً سياسياً صاحب التوجهات الدينية لحكام بابل (الآشوريين) من جهة الأم على الأقل فبينما استمرت عبادة مردوخ، انصرف نبونيداس كلياً لعبادة القمر بل هجر بابل للإقامة في قلب الصحراء العربية..وأصبح الهلال رمز الإله سين والنجمة رمز الربة عشتار من أكثر الرموز الدينية أهمية لنيبونيداس.. ومانزال نشاهد في أعلام المشرق الأسلامي العربي هذين الرمزين القديمين منذ العصورالغابرة..والمهم بعد هذا الاستطراد، الذي لايخلو من صلة بموضوعنا، إن أدة كوبي فسرت سقوط نينوى وبعدها حران والخرائب التي حلت في وادي الرافدين بغضب الإله سين، ومغادرته الأرض الى مكان آخر..وهي بصفتها الكاهنة الرئيسة في حران، عملت على التضرع لسين وتقديم النذور والانقطاع الى العبادة لإرجاع بلاد الرافدين الى سابق عهدها..وكانت الكاهنة قد سجلت الحوادث التي عصفت ببلاد الرافدين منذ عهد آشوربانيبال وحتى وفاتها على عهد ابنها نبونيداس آخر الملوك الكلديين على أربع مسلات كتب أحدها ابنها بعد وفاتها ووضعت كل واحدة في ركن من أركان المعبد الأربعة. وتخبرنا أدة كوبي عن رحيل سين غاضباً بسبب تدمير نينوى فيما يخبرنا ابنها عن عودته مع عودة السومريين والأكديين من خلال أحفادهم الآشوريين من ذوي الشعر الأسود الى السلطة في بابل. وبحس نافذ بالتأريخ تخبرنا أدة كوبي عن أبرز الحوادث التي عاشتها فقد ولدت في السنة العشرين من حكم آشوربانيبال، اي عام 649 ق.م. وتؤكد أنها عاصرت ملوكا آشوريين وبابليين ..وقد وجد البحاثة تطابقاً بين التواريخ التي ذكرتها والحوادث التأريخية الفعلية ..إذ جاء في مسلتها : (وفي السنة السادسة عشرة لحكم نبوبلاصر، ملك بابل، عندما غضب سين سيد الألهة على مدينته ومعبده وغادرهما الى السماء فحل في المدينة الخراب وهلك اهلها)، وكان بنوبلاصر قد حكم بابل بين عامي 625 ق.م. و605 ق.م. وكان سقوط حران وتخريبها عام 609 ق.م. أي في السنة السادسة عشرة لحكمه..وحران هي آخر معاقل الآشوريين التي لجأ اليها آشوراوباليت الثاني بعد سقوط نينوى عام 612 ق.م. وبينما غادر الجميع المدينة بقيت أدة كوبي بالقرب من معبدها المهجور متضرعة الى الإله حتى عثرت على مئزر ارجواني موشى بالذهب منذور له بين الأنقاض فأمسكت بأطرافه، وكأن الإله متجسما فيه يصغي الى تضرعاتها راكعة تضخ الدمع على مالحق بلاد الرافدين من خراب: (أن انت قررت العودة الى مدينتك، فأن الناس من ذوي الشعور السوداء كلهم سيعبدوك) ..وتلكم صفة يستخدمها السومريون في نعت أنفسهم..غير أن أستخدام ادة كوبي لهذه العبارة بعد 1500 سنة من زوال الوجود السياسي للسومريين يعني أنها تتحدث عن أحفادهم من الأكديين والآشوريين، بمعنى عودة السلطة الشرعية الى أهلها ممثلا ًلها بأبنها نبونيداس الذي وحد بلاد مابين النهرين تحت إرادة سياسية واحدة عام 555 ق.م. ..حيث تمضي أدة كوبي في نصها: (سين سيد الآلهة، نظر بعطف الى تضرعاتي فدعى ابني الوحيد نبونيداس.. فلذة رحمي الى الملوكية على سومر وأكد، وعلى الأراضي كلها من حدود مصر ومن البحر الأعلى الى البحر الأدنى، ووضع ثقته بإدارتها في يديه).. وبهذا يفسر انتصار نبونيداس على إنه انتصار للإله الآشوري سين على الإله البابلي مردوخ، مما اغضب الكهنة في بابل وحفزهم للثورة على نبونيداس ثم للتآمر مع قورش لأسقاط بابل هذه المرة..نستدل من هذه الحوادث بين حران وبابل والصراع بين الكهنة ونيبونيداس بسبب معتقداته الدينية الغريبة الى إن السياسة والدين ماهما سوى وجهين لعملة واحدة..فنبونيداس كان يتصرف على وفق ماتملي عليه رؤياه التي كان يتصورها رسائل من الآلهة ولعله للسبب نفسه غادر بابل الى الصحراء العربية وكأنه ابراهيم (عليهالسلام ) في بحثه عن إله واحد أحد هو غير سين ومردوخ..ولعل من غرائب الصدف أن يكون القمر معبود أدة كوبي ونيبونيداس، كوكبا للشعراء والحالمين ورمزاً للحضارة العربية وللزمن العربي.. وقد ماتت أدة كوبي عن عمر يناهز الـ 104 عام في السنة التاسعة لحكم ابنها..وقد وصف ابنها نبونيداس في مسلته في حران وفاتها في 546 ق.م.: ( حملها قدرها فدفن نبونيداس ابنها ووليد رحمها جثمانها موشاة بثياب ملكية من الكتان الأبيض الطاهر..وزينها بالحلي الرائعة من الذهب المطعم بالحجارة الكريمة..وبالزيوت العطرة كسى جسمها ووضعها في مقرها الأبدي في مكان سري..وذاع نعي أم الملك فقد قدم الناس من بابل وبورسيبا من الأصقاع البعيدة، وقدم الملوك والأمراء والحكام من تخوم مصر ومن البحر الأعلى وحتى البحر الأدنى ينوحون ويبكون الملكة، واستمر العويل والنواح ..سبعة أيام).. نخلص من ذلك الى إن المرأة الرافدية قد لعبت دوراً في تأريخ العراق القديم.. وأنني في تناولي لثلاث ملكات وكاهنة مجتهداً هنا ومترجماً هناك ومغامراً هنا وهناك، أكون قد أخذت نموذجاً جاد علينا به التأريخ حتى لحظة كتابة هذه السطور..لأن ما تم استظهاره على حد تعبير الدكتور طارق مظلوم والحديث عن تلقوينجق (لايعدو أن يكون سوى وخزات أبرة في عملاق راقد)..مع ذلك فثمة نساء كثيرات عشن في البلاط الآشوري الحديث ولعبن أدواراً تتراوح بتأثيرها وقوتها ومن خلال أزواجهن او آبائهن او أشقائهن الملوك كما لمحت لنا المقبرة الملكية في النمرود..ومن أبرز تلك النساء (موليسوموكانيشات نينوا) زوجة آشورناصربال الثاني و(يابا) زوجة تكلاثبليزر الثالث، و(تاليا) زوجة سرجون الثاني، و(أيشارا حمات) زوجة اسرحدون، و(شادوتو) شقيقته، و(ليبالي شارات) زوجة آشوربانيبال..وغيرهن ممن وهبن العراق ميتات، كنوزا منقطعة النظير تعكس تطور الذائقة الفنية لأسلافنا وقوتهم وثروتهم منذ آلاف السنوات، ووهبنه حيّات، نموذجاً للمرأة العراقية في صورة عشتار وهي تقود عربة تجرها الأسود تنطلق في تحد صارخ للموت أماً وأختاً وابنة وزوجة وروحاً خالقة...
 |
 |
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. {IP: 80.187.102.146} |
2/25/2017 4:20:31 PM |
سلام عليكم اشكر جميع الموظفين والمؤرخين الذين ينشرون ويعلنون حضارة بلاد الرافدين وجمالها في العصور القديمة والوسطى وحياة العراقيين القدامة والعلماء وكل من عاش في تلك الزمان انا فخور جداً بطريقة لا توصف على أني خلقت ولدت في بلاد الحضارات والأنهار والعلم والفلاسفة والعلماء وبلاد الأكد بابل وسومر وآشور وحضرموت وغيرها من الأسماء كلما قرأت عن بلادي كلما زاد شوقي اكثر للقرأة والبحث كنت اتمنى أن أعيش في تلك الزمان تمنياً وليس فقط كلاماً وشكراً لحضرة الدكتور ابو الصوف والسيد سلام طه على جهدهم المبذولة من اجل إبراز واظهار حضارة العريقة لبلاد الرافدين دوماً أرجو ان يبقى ويستمر هذا الامر هكذا قروناً لا نهاية لها أرجو كذلك وضع العلماء والفلاسفة العراقيين في الواجهة دوماً بما قدموا من علم من شتى الأنواع للعالم أحب ان يكون على صفحات ومواقع الانترنت مواضيع العلماء والفلاسفة العراقيين مع حياتهم وأعمالهم بترتيب مثلما موضوعة حالياً لكي يسهل التعرف عليهم من قبل الغرباء لكي يعرفوا من هم وماذا تعني العراق وبلاد الرافدين والحضارات العريقة الأكثر وجوداً على كوكب الارض الكلام والحديث وحدهما ليس كافٍ لا يوصف بلادنا الحبيب ابداً ومن يريد ان يقرأة عن العراق عليه أولاً ان يحترم اسم بلاد الحضارات والعلماء والفلاسفة وما قدموه للعالم اجمع من علم وتطورات وغيرها لو تحدثت لسنوات لن ينتهي ولن أصل الى نهاية هذا الاعمال ❤⯑❤⯑⯑⯑⯑ والاختراعات والاكتشافات والعقول الراقية والذكية الخارقة من قبل علماء وفلاسفة بلادي العراق الرافدين الحبيبة شكراً جزيلاً دوماً لكم ولبلادي الرافدين على ما حققتها من إنجازات وأعمال في عالم الحياة ..أتمنى التوفيق للجميع شكراً لحضراتكم |
|
 |
 |
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. {IP: 79.213.181.201} |
2/27/2017 11:02:09 AM |
سلام عليكم شكراً جزيلاً على معلومات بلادي الرافدين كلما قرأت واطلعت لا اريد ان انتهي من القرأة وما كانت بلادي ومن وجدت كل شيء وبينت للناس وللعالم كلها الحياة والعيش ولا سيما ما هي المرأة في عصر القديم وما بعدها شكراً جزيلاً لكم لا يوصف بلادي بالحديث ابداً انه اكبر مما نعرف او يعرف الاخرين |
|
|
|
Comments powered by CComment